د. إبراهيم علوش
البناء 20/11/2013
لو كان يصح أن نختزل العائق الرئيسي لحل الأزمة السورية سياسياً بشخص واحد لوجب أن يكون الأمير بندر بن سلطان الأمين العام لمجلس الأمن الوطني السعودي ورئيس الاستخبارات العامة السعودية.
لأغلب الناس تصورٌ عما تقوم به أجهزة الاستخبارات، أما مجلس الأمن الوطني السعودي فهو موئل صناعة القرارات الاستراتيجية في المملكة، رئيسه الملك عبدالله بن عبد العزيز، وأعضاؤه من رؤوس العائلة السعودية (ما عدا وزير الدعوة والإرشاد من آل الشيخ) ومنهم ولي العهد ووزير الدفاع سلمان بن عبد العزيز ووزير الخارجية سعود الفيصل ووزير الداخلية محمد بن نايف ووزير الحرس الوطني متعب بن عبدالله، بالإضافة لنائب وزير الدفاع ومساعد الأمين العام للشؤون الأمنية والإستخبارية سلمان بن سلطان شقيق بندر الذي يشرف معه على ملف الدعم اللوجستي للعصابات المسلحة السورية في الأردن.
تزداد أهمية المجلس طبعاً في ظل الحالة الصحية غير المستقرة للملك عبدالله بن عبد العزيز، وتزداد معها أهمية بندر بن سلطان ودوره بعدما اصبح أميناً عاماً لمجلس الأمن الوطني في العام 2005 بعد 22 عاماً من مكوثه سفيراً للمملكة في الولايات المتحدة، وقد أضاف لذلك الموقع في صيف العام 2012 رئاسة جهاز الاستخبارات.
يصر بعض الكتاب والمحللين المؤيدين لسورية أن المعاندة السعودية لموقف إدارة أوباما إزاء الحل السياسي في سورية ومؤتمر جنيف2 عبارة عن مسرحية لا خروجاً عن النص باعتبار الدول التابعة للولايات المتحدة التي لا تمتلك قرارها ليست بموضع اتخاذ قرارات استراتيجية تتضمن تحدياً لإرادة السيد الأمريكي. لكن مثل هذا التحليل الصحيح عامةً من ناحية مبدئية لا يأخذ بعين الاعتبار حقيقة مهمة جداً وهي أن بندر بن سلطان ارتبط خلال وجوده في الولايات المتحدة بعلاقات وطيدة مع الحزب الجمهوري ومجموعة المحافظين الجدد، وكثيراً ما تمت استضافته في المنتدى الداخلي لصناعة السياسات الخارجية للولايات المتحدة خاصة فيما يتعلق بالشأن العربي والإسلامي.
بصفته تلك، لا يمثل بندر بن سلطان نفسه فحسب، ولا يدير سياسة سعودية تشكل بالضرورة امتداداً آلياً لما تريده إدارة الرئيس أوباما بل امتداداً للصراع الداخلي في الولايات المتحدة بين الجمهوريين والديموقراطيين، وكان الجمهوريون قد عطلوا عمل الحكومة الأمريكية 16 يوماً الشهر المنصرم في محاولة لإظهار أوباما بمظهر العاجز الفاشل داخلياً، وبندر هو عصاتهم في عجلة سياسة أوباما الخارجية.
إذن ليست السياسة السعودية سياسة مستقلة، لكنها ليست مسرحية تديرها الإدارة الأمريكية الحالية من خلف الستائر. على العكس تماماً يشن بندر بن سلطان حملة سياسية نشطة ضد الرئيس أوباما لا من موقع مناهضة الإمبريالية بالطبع بل لمصلحة قوى وجهات داخل النظام الأمريكي نفسه كانت قد دخلت مرحلة الأفول والتراجع في العامين 2006-2008، أي في العامين الأخيرين لفترة جورج بوش الرئاسية، لتحل الصفقة مع الإسلامويين في الإقليم بديلاً لما سمي خلال العقد الماضي: “الحرب على الإرهاب”.
بندر بن سلطان هو ابن ولي العهد السعودي السابق سلطان بن عبد العزيز الذي توفي في شهر تشرين الأول عام 2011، ويعتبر هذا، إلى جانب علاقاته القوية والحميمة مع الرئيسين بوش الأب والابن، وقبلها مع الرئيس رونالد ريغان، القوة الدافعة خلف صعوده. وقد وصفته مجلة “إيكونومست” البريطانية المرموقة في 6/11/2008 بأنه “المبعوث الحصري للملك السعودي… وصبي مأموريات البيت الأبيض”.
وقد لعب بندر بن سلطان دوراً كبيراً في دعم “المجاهدين” في أفغانستان في الثمانينيات بالتنسيق مع الرئيس ريغان، وهو ما أنتج ظاهرة الزومبي المعاصرة، كما انكشف دوره في فضيحة إيران-كونترا وقتها حيث كانت الإدارة الأمريكية تبيع السلاح سراً لإيران وتستخدم العائدات في دعم عصابات الكونترا في نيكاراغوا التي قدم لها بندر عشرات ملايين الدولارات لإسقاط حكم الجبهة الساندينية المناهضة للولايات المتحدة. وتمثل عصابات الكونترا النيكاراغوية في النموذج والنمط ما يمكن اعتباره السلف الطالح للعصابات المسلحة في سورية اليوم.
في عهد الرئيسين بوش الأب والابن لعب بندر بن سلطان دوراً فعالاً في سياق سياسات أمريكية معينة وفي تنفيذها، ومن ذلك العدوان على العراق، والدفع باتجاه غزوه في العام 2003، ومنه الحرب على لبنان في العام 2006، وقد تبنى بندر برنامج ديك تشيني المسمى “الشرق الأوسط الجديد” الذي تضمن فكرة “الإصلاح الديموقراطي” في سورية وإيران، ومن المعروف أن تشيني نائب الرئيس بوش كان من صقور المحافظين الجدد.
كانت علاقة بندر مع آل بوش علاقة عميقة، حتى أن بوش الابن لقب بندر بن سلطان باسم “بندر بوش” كما كتبت مجلة “اتلانتك” الأمريكية في 1/5/2003. لكن بمقدار ما شكلت تلك العلاقة مصدر قوة ودعم لطموحات بندر بن سلطان في المملكة فقد مثلت أيضاً مصدر شبهات وتساؤلات راحت تحوم حوله داخل العائلة السعودية نفسها كما كتب سيمور هيرش في مجلة “نيويوركر” في 5/3/2007. وقد ظل على صلة قوية بالجمهوريين بعد انتقاله من السفارة في واشنطن لمجلس الأمن القومي السعودي. فبندر الطموح ليس موضع إجماع داخل العائلة السعودية نفسها، وهو ما يجب أن يفكر فيه الأردن جيداً قبل التورط معه أكثر في سورية.
للتذكير: بعد قيادة بوش الأب للعدوان الثلاثيني على العراق في العام 91، خسر الانتخابات في العام 92 لبِل كلينتون الديموقراطي الذي ربح ولاية ثانية استمرت حتى العام 2000، وحال وصول بوش الابن للرئاسة بعدها بدأ وضع الخطط لغزو العراق فوراً لأن الجمهوريين اعتبروا تعاطي الديموقراطيين مع العراق، رغم الحصار والضربات الجوية، ضعيفاً وناعماً أكثر مما يجب… حتى كان ما كان في العام 2003.
خطة بندر إذن هي إطالة أمد الأزمة في سورية حتى العام 2016 موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة.
للمشاركة على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=766964749987429&set=a.306925965991312.96654.100000217333066&type=1
اترك تعليقاً