بقلم . أمينة نفير
وأن في الجزائر خير شعب .. عروبته مدى الأجيال وثقى
وأن الوحدة الكبرى إذا ما .. تحررت الجزائر سوف تبقى
هكذا تصور الشاعر الجزائري “مفدي زكرياء” في قصيدته “على عهد العروبة”، انعكاسات تحرير الجزائر على المشروع القومي العربي في الحرية والوحدة .
فعندما حصلت الجزائر على استقلالها من براثن الإحتلال الفرنسي سنة 1962 ، كان انتصارا لكل الحركات التحررية والثورية الوطنية وللمشروع القومي ككل، على اعتبار أن الجزائر كانت من آخر الأقطار العربية المحتلة من طرف القوى الإستعمارية، وأن بعدها مباشرة ستتجه الجهود إلى قضية العرب المركزية، وأن كل القوى التحررية الوطنية منها والقومية، ستصوب كل قوتها الثورية نحو فلسطين، وبندقيتها نحو العدو الصهيوني، ليكتمل النصر، باستقلال كل اقطارنا العربية. لكن ذلك لم يحصل، فقد انشغل كل قطر عربي بعد استقلاله –استقلالا شكليا- في بناء ذاته، وتقويتها داخل الحدود التي رُسمت له.
و اليوم تشتدّ الهجمة الإستعمارية من جديد و يستشري السرطان في جسد الوطن . لم نعد نتحدث عن فلسطين وحدها كأرض عربية محتلة، حيث توسع نفوذ الكيان الصهيوني على أرضنا العربية الفلسطينية الأبية، احتل حصن الحضارة والعلم، قلعة العروبة الشامخة، العراق، ودمرت كل بنياته التحتية ومقوماته المؤسساتية، عراقنا الذي قال فيه الشاعر “شفيق الكمالي”:
وطن مد على الأفق جناحا
وارتدى مجد الحضارات وشاحا
بوركت أرض الفراتين وطنا
عبقري المجد عزما وسماحا
***
ورثتنا البيد رايات النبي
والسجايا والشموخ اليعربي
مجدي جزلا بلاد العرب
نحن أشرقنا فيا شمس أغربي.
قُسم قطرنا العربي السودان، فتقسم المقسم، ومُزق الممزق. والصومال حيث المجاعة والفقر الشديد يفتك بأبناء شعبنا العربي هناك ، أما لبنان الذي تغنت به فيروز فقالت:
سألوني شو صاير ببلد العيد
مزروعة عالداير نار وبواريد
قلتلهن بلدنا عم تخلق جديد
لبنان الكرامة والشعب العنيد
كيف ماكنت بحبك بجنونك بحبك
واذا نحنا تفرقنا بيجمعنا حبك
وحبة من ترابك بكنوز الدني
وبحبك يا لبنان يا وطني
فقد بات حلبة صراع بين مختلف القوى السياسية والطائفية، ذات الأجندات الأجنبية.
ولم نكتفي بعد، فقد اجتاحتنا عواصف مدمرة لما سموه “ربيعا عربيا” نشر الفوضى و الخراب والفواجع، على قول الشاعر:
نشر الحزن على الشرق سحابا *** يملأ الأنفس هَما واكتئابا
نكبــــات تتوالـى فوقـه *** لو أصابت قاسي الصخر لدابا.
فقد عاد الإحتلال في شكله القديم ليواصل سياسة الاضطهاد، التدمير والنهب فلم تكتمل الثلاث سنوات بعد، حتى حقق العدو مشروعه الجهنمي، فاحتلت الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الإشتراكية العظمى، ودمرت بناها التحتية، وقتل ابناؤها بصواريخ الناتو، وتدريب أمريكا، بدعم من فرنسا وبريطانيا، وتمويل من “بنك الإستثمار في الدم العربي” الذي يديره أمير قطر.
ثم لحقها الوضع المأساوي بكل من القطرين العربيين تونس ومصر، بعد ان استلمت القوى الرجعية السلطة هناك، واتخذ المنحنى السياسي، والإقتصادي والإجتماعي مسارا انحداريا خطيرا، أفقد تونس الأمان والأمن والإستقرار، أجل تونس التي تغزل فيها الشاعر العربي نزار قباني فقال :
يا تونس الخضراء جئتك عاشقا *** وعلى جبيني وردة وكتاب
إني الدمشقي الذي احترف الهوى*** فاخضوضرت بغنائه الأعشاب
أحرقت من خلفي جميع مراكبي*** إن الهوى ألا يكون إياب
أما مصر، أرض الكنانة ، أرض الفكر والثقافة، انتزع منها هذا الربيع/الخريف دورها الجيوستراتيجي والريادي بالوطن العربي، فأصبحت تتأرجح بين مساند لحكم العسكر، ومناصر لحكم الإخوان. مصر التي قال فيها الشاعر المغربي عبد الرحمان الدكالي:
أحن إلى مصــر ** وما أنا من مصر
ولكني أهوى بها ** قادة الفكــــر
وفي نفس الوقت، وحيث لا يخفى على أحد ، إلا من أحب إغفال نفسه، الهجمة الشرسة والوحشية التي يتعرض لها قلب العروبة النابض، إنها سورية التي اجتمعت عليها قوى الشر والرجعية، وتكالب عليها القريب قبل البعيد، ليتم بذلك إتمام تفعيل خطة إسقاط مكامن القوة بالوطن العربي وآخر قلاع العروبة التي كانت دائما شوكة في حناجرهم. فسورية التي قال فيها الشاعر الأمير طارق ناصر الدين :
آتـون نحمـلُ سوريـا بأعيننـا *** من يجرح الشامَ شـرُّ الخلـقِ آثامـا..
آتـون تسبقنـا شوقــاً عروبتنـا *** قلبَ العروبـة جئنـا فارفـع الهامـا..
عواصم الأرض لو بادت ولو دَرَستْ *** فالشـام تبـدِع من أنقاضهـا شامـا..
وقال فيها شاعرها نزار قباني :
الفل يبدأ من دمشق بياضُه*** وبعطرها تتطيب الأطياب
والماء يبدأ من دمشق فحيثما*** أسندت رأسك جدول ينساب
والشعر عصفور يمد جناحه *** فوق الشآم وشاعر جواب
والحب يبدأ من دمشق فأهلنا *** عبدوا الجمال وذوبوه وذابوا
والخيل تبدأ من دمشق مسارها *** وتشد للفتح الكبير ركاب
والدهر يبدأ من دمشق وعندها*** تبقى اللغات وتحفظ الأنساب
ودمشق تعطي للعروبة شكلها *** وبأرضها تتشكل الأحقاب
ولنلقي نظرة على خريطة الوطن الممتد من المحيط إلى الخليج، لنجد أجزاء منه لازالت تحت وطأة الإحتلال: الأحواز العربية المحتلة، الجزر الإماراتية، الجولان، لواء إسكندرون، سبتة ومليلية ، والجزر الجعفرية .. كلها أراض عربية مقتطعة لم ترى نور الإستقلال بعد.
كل هذا وذاك، ولا ننسى الإحتلال الثقافي والسياسي والإقتصادي الذي ينخر جسد هذا الوطن في باقي الأقطار العربية. ونجد وصف ذلك في هذه الأبيات للشاعر المغربي “عبد الرحمان الدكالي” حيث قال :
فيا مصر إنا امة عربية ** تقاسي صنوف البغي والجور
نعذب إن قلنا نريد تعلما ** ونحرم حتى من صحائف للنشر
بني العرب لا نرجوا سواكم مؤيدا ** فأنتم ذوو الإحسان والعطف والخير
لنا أيها العرب الكرام مآثر ** ستبقى مدى الأيام خالدة الذكر
ولسنا وإن سل الطغاة سيوفهم ** نخاف وإن سالت دماء لنا تجري
وفي المغرب الأقصى شعور ونهضة ** فكم من فتى شهم وكم من فتى حر .
فالحصيلة إذا، هي عودتنا عقودا إلى الوراء ، حيث يتقوى أعداء الأمة ويحكمون قبضتهم على هذا الوطن، في مقابل حالة تشتت و تردّد رهيبة في صفوف القوى الثورية والتحررية والتقدمية الوطنية والقومية، وحالة إرباك في صفوف المثقفين والمفكرين العرب . وأستحضر هنا قول الشاعر “خالد الفرج” في مطلع قصيدته “الشرق والغرب” :
الغَرْبُ قد شدَّدَفي هَجْمَتِهْ ** والشَّرْقُ لاهٍ بعدُ في غَفْلَتِهْ
وكُلَّمَا جَدَّ بأعْمَالِهِ ** لشرق مقسوم على وحدتِهْ
فيجمعُ الغربِيُّ وحْدَاتِهِ ** والشرق مقسوم على وحدتِهْ
وذاكَ يبني العِلْمَ في بحثِهِ ** وذا يضيعُ الوقتَ في نظرته.
قسمت أوطاننا، احتلت أراضينا، شرد شعبنا، يُتم أطفالنا، هتكت أعراض بناتنا، رُملت نساؤنا، استشهد رجالنا .. واغتيل كل رموز أمتنا العظماء، فماذا بقي لنخسره؟ أموالنا؟ مستقبلنا؟ أرواحنا؟ ما نفع كل ذاك إن ضاع الوطن؟ ما نفع كل ذاك، ان اغتيلت هويتنا ودمرت أمتنا ؟؟
ألا فابعثوها همة عربية ** تحف بأطراف القنا والقواضب – ابن طفيل-
يا خير أمة أخرجت للناس، فلتغضبي غضبا نابعا من جذور ترابك، ولتأخذي بثأرك، ويا أبناء أمتي ، انهضوا ، وناضلوا وقاتلوا ، فنحن من قال فينا الشاعر الباكستاني “محمد إقبال” في قصيدته “إلى الأمة العربية” :
أمة الصحراء يا شعب الخلود ** من سواكم حل اغلال الورى
أي داع قبلكم في ذا الوجود ** صاح لا كسرى هنا لا قيصرا .
اترك تعليقاً