د. إبراهيم علوش
الأخبار 6/9/2013
رسمياً، لم بوضع الملف السوري كبندٍ على جدول أعمال قمة “مجموعة العشرين” المنعقدة في بطرسبرغ، روسيا، لكنه ملفٌ سيرخي بظله على كل اللقاء، حسب مصادر إعلامية مختلفة، فيما تتواصل التعبئة والتحريض لشن عدوان كبير على سورية.
وقد صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي ترأس بلاده دورة “مجموعة العشرين” حالياً، بأن “القمة ستركز أساساً على الاقتصاد العالمي ومشاكله الراهنة مثل تباطؤ النمو الاقتصادي والبطالة والفساد والتهرب الضريبي وما شابه، لكن بالنظر للوضع الخطير في سورية، وأننا لا نستطيع الاتفاق على ما يجب القيام به لحل هذه المسألة المهمة بشدة، فإننا نستطيع على الأرجح أن نستغل فرصة لقاء زعماء الاقتصادات العشرين الأكبر في العالم لقضاء بعض الوقت في مناقشة هذا الموضوع. لن نفرض ذلك طبعاً، إنما نستطيع أن نقترح الخروج عن جدول الأعمال المتفق عليه لبحث النزاع السوري”.
إذن مناقشة الملف السوري قصة بحد ذاتها، وفي ضوء إلغاء لقاء كان يفترض أن يعقد بين الرئيسين الأمريكي والروسي على هامش “مجموعة العشرين” على خلفية منح روسيا اللجوء السياسي لضابط الاستخبارات الأمريكية إدوارد سنودن، وتعرقل جهود عقد قمة جنيف-2 حول سورية، وتشدد حكومة الولايات المتحدة وحلف الناتو في مفردات الملف السوري، من الواضح أن من يريد أن يناقش الملف السوري هو روسيا ودول البريكس، ومن لا يريد مناقشته هو الغرب وحلفاؤه.
وليس الخروج عن جدول أعمال “مجموعة العشرين” مسألة محض إدارية، أو “نقطة نظام” فحسب، إنما يتعلق بالهدف الذي تأسست من أجله “مجموعة العشرين” في العام 1999، كمجموعة متخصصة بالشأن الاقتصادي والمالي، على خلفية الأزمات المالية التي ضربت دول جنوب شرق آسيا في ربيع العام 97، ثم روسيا والبرازيل في العام 1999. وقد كانت القمة تلتئم في البداية على مستوى وزراء مالية الدول الأعضاء ومحافظي بنوكها المركزية فحسب.
وبعد تزايد أهمية مجموعة العشرين في الاقتصاد الدولي، ودخول الاقتصاد العالمي، الغربي خاصة، مرحلة الأزمة المالية مجدداً، وبصورة أعمق، بين عامي 2008 و2011، طرأ تحولان مهمان جداً على “مجموعة العشرين”، الأول هو انعقادها مرتين سنوياً، بدلاً من مرة واحدة، أما الثاني فهو انعقادها على مستوى رؤساء الدول أو رؤساء الوزراء، بالإضافة لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية الذين يلتئمون للتهيئة لقمة الرؤساء، ولبحث التفاصيل التنفيذية للمقررات على الهامش.
وفي أيلول/ سبتمبر 2009 أعلن قادة “مجموعة الثمانية”، التي كانت تضم أكبر اقتصادات غربية، ثم اضيفت إليها روسيا في العام 1997، أن “مجموعة العشرين” ستحل محل “مجموعة الثمانية” كأعلى مجلس اقتصادي عالمي، وقد عكس هذا التطور، في خضم تفاقم أزمة رأس المال المالي الدولي، أمران مهمان جدا اقتصاديا وسياسياً أولهما انسياب دول البريكس بالجملة، مثل الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، إلى الحلقة المركزية لصنع القرار الاقتصادي الدولي، تحت وطأة الأزمة، والاعتراف الغربي بالتالي بتحول ميزان القوى العالمي لغير مصلحة أوروبا الغربية وشمال أمريكا واليابان، وثانيهما هو دخول عدد من الدول الآسيوية والأمريكية اللاتينية إلى مجموعة العشرين، وهو ما يعكس انتقال مركز ثقل الاقتصاد العالمي تدريجياً شرقاً وجنوباً، مما يعزز الاتجاه نحو التعددية القطبية، بعيداً عن الهيمنة الأحادية للولايات المتحدة، على ساحة الاقتصاد والسياسة الدوليين.
وقد دخلت الدول الأوروبية الغربية التي كانت تنتمي ل”مجموعة الثمانية”، مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا تلقائياً ل”مجموعة العشرين”، ثم تمثل الاتحاد الأوروبي بمقعد واحد، مما خلق مشكلة مع بعض الدول الأوروبية المتمتعة بعضوية الاتحاد الاوروبي، مثل إسبانيا وهولندا والنمسا والسويد وبلجيكا وبولندا، التي تسعى للحصول على عضوية العشرين. كذلك تستثني “مجموعة العشرين” دولاً مهمة اقتصادياً مثل سويسرا، لا تنتمي للاتحاد الأوروبي، أو النرويج، كما تستنثي إيران، فيما تضم “مجموعة العشرين” تركيا وأندونيسيا، ولا تضم في صفوفها أي بلد أفريقي ما عدا جنوب أفريقيا، ولا أي دولة عربية ما عدا المملكة العربية السعودية. وتتم دعوة بعض الدول المستثناة للحضور كمراقب أحياناً على سبيل رفع العتب.
بعض الدول المستثناة لديها اقتصادات أكبر حجماً من بعض الدول المنضوية في “مجموعة العشرين”، مثلاً الاقتصاد الإسباني أكبر من الأرجنتيني، والإيراني أكبر من جنوب الأفريقي، والبولندي أكبر من السعودي، رغم ذلك يمكن القول أن الانتقال من مجموعة الثمانية إلى العشرين، أي من الغرب فحسب إلى الشرق والجنوب نسبياً، كان يعني أيضاً التحول من إدارة 40% من الناتج العالمي الإجمالي الحقيقي لمجموعة الثمانية إلى أكثر من 80% من الناتج العالمي الإجمالي الحقيقي لمجموعة العشرين، وأكثر من ذلك من التجارة العالمية ومن النمو الاقتصادي العالمي، وثلثي عدد سكان الأرض. أي أن “مجموعة العشرين” بالرغم من استثناء ما يقارب عشرة دول مهمة اقتصادياً، تمثل وحدها معظم الاقتصاد العالمي بالرغم من كونها عشرين فقط من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة.
العبرة من هذا الكلام أن “مجموعة العشرين” تمثل عنواناً لكسر أحادية القطبية، ولصعود دول البريكس، بالرغم مما يشوبها من عيوب ونقائص، وأنها بالتالي حلبة صراع يحاول الغرب فيه أن يعزز سيطرته على الاقتصاد والسياسة العالميين، خاصة بعد مرور عاصفة الأزمة المالية الدولية، وتحول القمة إلى سنوية، بدلاً من نصف سنوية، ابتداء من العام 2011، وهو جهد يتلازم على الأرض مع محاولة تطويق روسيا والصين بحزام إخواني وغير إخواني يمتد من الوطن العربي إلى آسيا الوسطى إلى إقليم جينجيانغ في الصين إلى جنوب شرق آسيا، فإذا لم يستطع السيطرة عليه، فعلى الأقل يتركه فريسة للحروب الأهلية والفتن والقلاقل والتمزق وانعدام الاستقرار، وروسيا تدرك، كما عبر أكثر من محلل روسي، بأن خسارة سورية تعني إبقاءها خارج البحر المتوسط، ومن ثم الأسود، وأنها سوف تخسر لا القوقاز الجنوبي فحسب، بل القوقاز الشمالي أيضاً. بالرغم من هذا، لا تجد روسيا أو الصين في نفسيهما القدرة أو الاستعداد لخوض مواجهة مباشرة مع الغرب بشأن سورية بعد. ولذلك تفضلان خوض مواجهاتهما ضمن إطار الأمم المتحدة أو “مجموعة العشرين” وما شابه، فيما العكس صحيح بالنسبة للغرب. وقد خاضت دول البريكس جولات لإصلاح صندوق النقد الدولي لمصلحتها مثلاً في دورات سابقة لقمة العشرين. والولايات المتحدة ضاقت ذرعاً من تدهور موقعها الدولي في الأعوام الماضية، ولو اضطرها ذلك لتجاوز المؤسسات الدولية، وقوانينها، التي ازداد فيها وزن دول البريكس فيما كان يقل وزنها.
ونلاحظ من معاينة نموذجين لأجندة النقاش في هذه الدورة لقمة “مجموعة العشرين”، أولهما نموذج منشور على الموقع الروسي المخصص للقمة، والآخر غربي من صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية، أن الشأن الاقتصادي يحتل وضعيه مختلفة في الحالتين، فهو مشروع نمو في الحالة الأولى، من خلال تعزيز دور الدولة في تنظيم القطاع المالي والشركات متعدية الحدود وتحسين نوعية الوظائف وزيادة الاستثمار، فيما تتحدث الأجندة الغربية عن الإصلاح الضريبي فيما يتعلق بالشركات متعدية الحدود، وآثار قرار الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأمريكي) برفع معدلات الفائدة بالتدريج، وبأن المرحلة القادمة من النمو الاقتصادي ستحركها الولايات المتحدة وبريطانيا، بعد تباطؤ النمو في الصين والهند، وبحث قوانين روسية أدت لاعتقال معارضين سياسيين لبوتين وتقييد التمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية، وتقييد الدعاية للمثلية الجنسية، فيما تريد أن تبقي سورية بعيداً عن مائدة البحث.
المؤكد أن الملف السوري سوف يبحث بشكل أو بأخر، لكن هل سيبقى ميزان القوى داخل “مجموعة العشرين”، والخط البياني المتصاعد لدول البريكس، كما هو اليوم، عندما تنعقد قمة “مجموعة العشرين” في العام المقبل في أستراليا؟
لا غرو أن الإجابة على هذا السؤال سيعتمد إلى حدٍ كبير على ما سيجري في معركة سورية.
للمشاركة على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=717921511558420&set=a.306925965991312.96654.100000217333066&type=1
اترك تعليقاً