د. إبراهيم علوش
الأخبار 28/8/2013
http://www.al-akhbar.com/node/189763
استفاض وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمره الصحفي الثلاثاء الموافق 27/8/2013 في تناول مسألتين مترابطتين على جدول الأزمة السورية هما: 1) لجنة المحققين الدوليين في استخدام الأسلحة الكيماوية و2) التهديدات المتصاعدة بضربة عسكرية لسورية، أما انعقاد مؤتمر رؤساء هيئات الأركان للدول المعادية لسورية في الأردن، الذي ابتدأ قبل يومين من مؤتمر المعلم الصحفي، فلم يتناوله إلا بإيجاز شديد، وكذلك تجنب الحديث مباشرةً عن دور الأردن في الأزمة السورية، منذ بدأت، في تهريب السلاح والمسلحين لسورية، مكتفياً بتنويه إيجابي بتصريح رسمي أردني بأن الأردن لن يكون منطلقاً لضرب سورية…
لكن الحقيقة هي أن الأردن، باستضافته لمؤتمر رؤساء هيئات الأركان المشتركة للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكندا والمانيا وإيطاليا وتركيا وقطر والسعودية، لا يمكن اعتبار موقفه محايداً، ناهيك عن اعتباره ايجابياً، إزاء سورية.
وقد أبدت سورية قدراً كبيراً من التفهم حتى الآن لما جرى على أرض الأردن ضدها، جزئياً لأنها تدرك أن الأردن، بالرغم من أهمية موقعه، يبقى بحكم الجغرافيا السياسية طرفاً ثانوياً في المعادلة الإقليمية، يتأثر أكثر بكثير مما يؤثر، فمشكلة سورية تبقى أساساً مع الولايات المتحدة والحكم السعودي اللذين يسعيان لتحويل الأردن إلى فك كماشة أخر، بالإضافة إلى تركيا ولبنان، للتضييق على سورية، وهو ما يمثل استمراراً للدور الوظيفي الذي لعبته الدولة الأردنية في عدد من الملفات الإقليمية المهمة كالعراق وليبيا والقضية الفلسطينية وغيرها.
وعليه لا تريد سورية أن تقدم مبرراً إعلامياً مجانياً للتصعيد على حدودها الجنوبية بذريعة أن لديها خلافاً متصاعداً مع الأردن، أو أن “سورية تتهجم على الأردن”، وأن الأردن، بالتالي، بحاجة للحماية، مما يمكن أن يقدم غطاءً لحشد كمية أكبر من القوات الأجنبية وقواعد الطائرات بطيار وبدون طيار، ولإقامة معسكرات تدريب للجماعات السورية المسلحة، ولذلك تم تجاوز موضوع مؤتمر هيئات الأركان المشتركة للدول المعادية لسورية على أرض الأردن، في مؤتمر المعلم الصحفي، في ظل جوٍ متلبدٍ بنذر الحرب.
وتقول صحيفة القوات المسلحة الأمريكية بأن ذلك المؤتمر، الذي بدأ مساء يوم الأحد الموافق 25/8/2013، تمت استضافته بشكل مشترك من رئيسي هيئتي الأركان الأمريكية والأردنية، وبأنه سينعقد لثلاثة أيام، وسيتدارس “الأمن الإقليمي وعواقب الأزمة الراهنة في سورية” في الوقت الذي يتموضع فيه ألف جندي أمريكي في الأردن، ومركز سيطرة وتحكم، وفصيلة من طائرات الأف-16 في قاعدة المفرق الجوية، وصواريخ باتريوت في موقعين بالأردن، وسفينة مارينز برمائية في ميناء العقبة جنوب الأردن.
ويضاف هذا الحشد العسكري الغربي في الأردن لثلاث سفن حربية أمريكية، انضمت إليها مدمرة أمريكية رابعة قبل يومين، وأربع أخرى بريطانية، بشرقي البحر المتوسط، ولطائرات الميراج والرفاييل الفرنسية في القاعدة الفرنسية في الإمارات العربية المتحدة، وللقاعدتين الجويتين الأمريكيتين في إنغرليك وأزمير في تركيا، والقاعدة الجوية البريطانية في أكروتيري في قبرص، وهي المنصات المفترضة لأي ضربة لسورية حسب الغارديان البريطانية في 25/8/2013.
“من المؤكد أنه لن تكون هناك قوات برية” في أي ضربة محتملة لسورية، حسب مصدر عسكري بريطاني كما تقول الغارديان، إنما يدور الحديث عن ضربة جوية على غرار ليبيا، من خلال هجوم صاروخي من الجو والبحر.
يدور الحديث إذن عن هجوم صاروخي.
المشكلة طبعاً، بالنسبة لهجوم كهذا، أن سورية تمتلك دفاعات جوية روسية متقدمة، مثل صواريخ “بانتسير”، وصواريخ “بوك” ذات المنصات المتحركة، وأسلحة كيماوية سبق أن قالت أنها ستستخدمها فقط في حالة تعرضها لهجوم خارجي، وهو ما يتم التهديد به الآن، كما تمتلك شبكة تحالفات إقليمية ودولية قوية لم يكن يتمتع بهما العراق أو ليبيا عندما هوجما.
بالمقابل، يمتلك حلف الناتو مثلاً صواريخ كروز من نوع ستورم شادو، التي تحملها طائرات تورنيدو، والتي يمكن إطلاقها عن بعد 240 كيلو، أي من خارج نطاق مجال الدفاعات الجوية السورية، وهي صواريخ عيبها الوحيد أنها تكلف 500 ألف جنيه استرليني للصاروخ الواحد، في الوقت الذي تعاني فيه القوات المسلحة لحلف الناتو من تخفيضات في موازناتها، لكن، بوجود الدول الخليجية، فإن تمويل استخدام مثل تلك الصواريخ وغيرها لن يعود مشكلة كبيرة بالطبع.. وهي فرصة للصناعات العسكرية الغربية لابتزاز الدول الخليجية مالياً بأية حال، فثمة مصلحة عضوية لتلك الصناعات بشن ضربة على سورية.
ويبقى السؤال: هل ستتعرض سورية لضربة عسكرية فعلاً أم أن كل الحديث عن مثل تلك الضربة هو جزء من التهويل الإعلامي الذي يفترض أن يدفع سورية لتقديم تنازلات سياسية لم يتمكن حلف الناتو وحلفاؤه من انتزاعها من سورية حتى الآن؟
فإذا افترضنا أن ثمة ضربة لسورية على وشك أن تسدد، ماذا سيكون دور الأردن فيها؟ وهل سيكون دوراً هجومياً أم دفاعياً في حالة تم الرد على الضربة بضربة للكيان الصهيوني؟
لا بد أن ما سبق هو بعض ما تناوله مؤتمر هيئات الأركان المشتركة للدول المعادية لسورية، الذي يشكل عقده على بعد بضع عشرات الكيلومترات من دمشق جزءاً من إظهار جدية النية بتوجيه ضربة، ولذلك يمكن القول أنه حقق هدفه بغض النظر عما سيتمخض عنه.
فالهدف من الضربة، إذا تمت، هو إطالة أمد الصراع في سورية وإعطاء فرصة إستراتيجية للجماعات المسلحة لكي تنفذ خطة الانقضاض على دمشق، وغيرها، التي كان يطيح بها هجومٌ استباقي للجيش العربي السوري عندما تم شن هجوم إعلامي، دولي وإقليمي، مضاد على سورية من زاوية مزاعم استخدام الجيش العربي السوري للسلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية.
وإذا لم تتم الضربة، خوفاً من رد صاروخي صاعق على الكيان الصهيوني مثلاً، فإن التلويح بها بجدية يصبح جزءاً من عملية تصعيد الضغط السياسي على سورية وحلفائها والسعي لإضعاف مواقعهم سواء بضربة أو بدون ضربة.
فواشنطن وحلفاؤها يلعبون مع سورية الآن لعبة حافة الهاوية التي لا تكون لعبة مقنعة إذا لم تكن احتمالية الضربة قائمة حقاً…
والأردن في هذه اللعبة عبارة عن بيدق على رقعة الشطرنج الإقليمية، وقد سبق استخدام قواعد أمريكية في الأردن للهجوم على العراق في العام 2003، واستخدام سلاح الجو الملكي الأردني في ليبيا في العام 2011، لكن لا يدل المعلن من احتشاد القوات الغربية في الأردن حتى الآن أنه سيكون منطلقَ أي ضربة محتملة لسورية، بل يدل عددها وعديدها وموضعها أنها أساساً في وضعية دفاعية إذا ما أطلقت صواريخ باتجاه الكيان الصهيوني عبر المجال الجوي الأردني، وهو ما يمكن أن يدفع لاستخدام الأف-16 الأمريكية للرد بسرعة، وعن قرب، على مواضع إطلاق أي صواريخ على الكيان رداً على ضرب سورية سواء من سورية نفسها أو من جنوب لبنان أو البقاع الغربي.
بالمقابل، يسعى الحكم السعودي لفتح جبهة برية للجماعات السورية المسلحة عبر الأردن (ولبنان) لأن الحدود التركية ليست ملعبه الطبيعي، بما أنها تحت سيطرة حكم إخواني، فيما يسعى لتقليم أظافر الإخوان وقطر إقليمياً وسورياً… والحكم الأردني أقرب للحكم السعودي مما هو للقطري أو الإخوان، ومن هنا زاوية الجذب للانجرار لمثل ذلك المشروع البري، بغض النظر عن أية ضربة جوية لسورية، وهو الأمر الذي لا يجد إجماعاً في صفوف صناع القرار داخل الدولة الأردنية نفسها. وهي قصة أخرى تحتاج لمعالجة مختلفة.
اترك تعليقاً