د.إبراهيم علوش
خلال الأسابيع الماضية، جرت اتصالات رسمية بين الخارجية الروسية والخارجية الأمريكية لترتيب مؤتمر جنيف 2 لحل الأزمة السورية، وكان يفترض أن يتم لقاء على مستوى نواب وزراء الخارجية بين روسيا والولايات المتحدة في لاهاي الأسبوع المقبل للتحضير لذلك المؤتمر الذي كان يفترض أن ينعقد في شهر تشرين أول المقبل.
وقد زعمت الولايات المتحدة قبل أيام أن الدولة السورية، التي أعلنت عن مشاركتها بمؤتمر جنيف 2 ممثلة بالدكتور فيصل مقداد، غير مهيأة بعد للمشاركة في ذلك المؤتمر بدون شروط مسبقة، والمقصود طبعاً أن الولايات المتحدة لا تريد للدولة السورية أن تشارك في مؤتمر جنيف 2، وأن ترد على حقيقة كون المعارضة السورية منقسمة ومشتتة وغير مهيأة للمشاركة في مؤتمر جنيف بدون شروط مسبقة، وهو ما أثار استياء روسيا.
أما وقد استقر الوضع الميداني في سورية على ميلان ميزان القوى الميداني والسياسي والشعبي والدبلوماسي لمصلحة الجيش السوري والقيادة السورية، فإن بعض القوى الدولية والإقليمية التي تنطعت لمعاداة سورية ومحاولة إسقاط نظامها ورئيسها قد أدركت أن الهزيمة سوف تحيق بها لا محالة، وأن ماء وجهها سوف يراق فوق ماء بردى، فاخترعت بدعة إعلامية محروقة، عشية وصول وفد الأمم المتحدة المكلف بالتحقيق باستخدام الأسلحة الكيماوية في النزاع، لكي تحقق ما تيسر من الأهداف التالية:
1) نزع المشروعية الدولية عن الدولة السورية بذريعة استخدامها للأسلحة الكيماوية ضد شعبها،
2) التشكيك، بالتالي، بحقها بالمشاركة بمؤتمر جنيف 2،
3) فإذا تصدى الروس لذلك، يتحقق هدف إفشال مؤتمر جنيف 2،
4) فإذا فشل مؤتمر جنيف 2، يتحقق تقديم غطاء من الرأي العام الدولي، إن لم يتوفر غطاء من مجلس الأمم، لتدخل عسكري مباشر في سورية، عبر ضربات جوية أمريكية أو صهيونية لمواقع الأسلحة الكيماوية مثلاً،
5) فإذا حاولت الدولة السورية درء ذلك، فإن عليها أن تعطي صلاحيات تفتيش لوفد الأمم المتحدة تتجاوز على سيادة سورية، لتثبت أنها لم تستخدم السلاح الكيماوي في الغوطة وغيرها، وأنى لها أن تثبت شيئاً وخصمها هو الحكم، لكنها بمجرد قبولها بالتحقيق فإنها سوف تؤسس ل”حق” التدخل في شؤونها والبحث عن أسلحتها، كما في العراق، أكثر بكثير مما كان سيحصل عليه ذلك الوفد من صلاحيات بدون مثل هذا الاتهام التافه،
6) فإذا تحقق ذلك، فإنه سوف يعطي فسحة للعصابات المسلحة للتقدم تماماً كما حدث في ربيع 2012،
7) فإن لم يتحقق أي شيء من ذلك، فإنه سيغطي على الأقل على استخدام العصابات المسلحة للأسلحة الكيماوية، كما في خان العسل في 19/3/2013.
في البحث الجنائي، يفترض أن يبدأ التحقيق دوماً بسؤال جوهري هو: من المستفيد؟ فمن المستفيد مما قيل ونقلته وسائل الإعلام عم مزاعم استخدام أسلحة كيماوية في الغوطة الشرقية لدمشق؟ من المؤكد أنه ليس الدولة السورية… بل الأطراف المعادية لها.
ومن ثم يجب أن نتساءل: لماذا أعلن رئيس الوزراء الأردني، د. عبدالله النسور، قبل ثلاثة أيام من فبركة فيلم “الغوطة الشرقية في الفوطة الكيماوية”، أن ثمة احتمالات لنشوب حرب كيماوية في سورية؟! ظننا وقتها أن المطلوب هو تبرير تموضع قوات أمريكية، وطائرات بطيار وبلا طيار، في شمال الأردن، ولكن الآن يجب أن نعود للتصريح، الذي يصعب أن يكون من بنات أفكاره، من منظور أخر…
ولن ندخل في تحليل الأبعاد الفنية للتهم الموجهة للدولة السورية باستخدام السلاح الكيماوي: لماذا لا تظهر أي حروق على أجساد القتلى؟ لماذا لا نرى أي تشنجات في الجثث كما في حالات القتل بالكيماوي الأخرى؟ كيف دخل المصورون إلى المناطق التي يفترض أنها ضربت بالكيماوي دون كمامات ولا البسة واقية ليصوروا ويأكلوا ويشربوا ويدخنوا السجائر كأن السموم الكيماوية قد تبددت بالهواء كدخان السجائر؟ الخ.. وهو ما يفترض بأهل الاختصاص في سورية أن يتصدوا له.
لكن نقول أن الحكم السعودي وبريطانيا وفرنسا، وكل من تورط في محاولة إسقاط النظام السوري، قد انتقلوا من مرحلة الفشل إلى مرحلة السخافة.
سورية نصرها آت. إنما يسعى أعداؤها لإطالة معاناتها لعلها تنهار. لكنها قلعة العروبة الباسلة التي سوف تبقى طويلاً بعد أن ينهار أعداؤها.
للمشاركة على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=708940069123231&id=100000217333066
اترك تعليقاً