د.إبراهيم علوش
بعد اتساع نطاق الاحتجاجات الشعبية في تركيا لتشمل عشرات الآلاف من المواطنين الاتراك، وعدة مدن تركية، وغير تركية، بات أردوغان وأنصاره من الإسلامويين العرب يتحدثون عن “مؤامرة”، و””تدخل اطراف خارجية”، و”عناصر متطرفة”، و”استغلال قضايا داخلية تركية لتحقيق مكاسب سياسية”!
وفي الآن عينه تزايد عدد المعتقلين والجرحى إلى مئات، بالإضافة لعدد من القتلى، مع تزايد “الاستخدام المفرط للقوة”، كما قالت وسائل الإعلام العالمية، في مواجهة الاحتجاجات الشعبية… وراح بعض الإسلامويين العرب يغمز طائفياً من قناة المحتجين باعتبارهم “علويين” يتغطون بأقنعة قومية (تركية) ويسارية، حسب زعمهم، وتحركهم سورية وإيران، ويستغلون قصة صغيرة لأغراض خبيثة مشبوهة!
ولا شك أن الاعتصام الذي بدأ في ساحة تقسيم في اسطنبول احتجاجاً على اقتلاع الأشجار بسبب قرار حكومة أردوغان إقامة مول تجاري في ثكنة عثمانية قديمة – وهو ما يرمز لجوهر مشروع حزب العدالة والتنمية في الواقع: مول تجاري في ثكنة عثمانية… – كان السبب المباشر، والشرارة التي فجرت التناقضات بين الشعب التركي وحكم الإخونجة العثمانيين، كما فجر قتل الصهاينة لعدد من العمال الفلسطينيين في غزة الانتفاضة الأولى عام 1987 مثلاً، لكن ذلك لا يعني أن في الموضوع مؤامرة أو تدخلاً لقوى خارجية.
فلا سورية ولا إيران تمولان منظمات غير حكومية ودورات حقوق إنسان ووسائل إعلام تركية على نطاق واسع، كما تفعل الدول الغربية في الوطن العربي وأوروبا الشرقية مثلاً، ولا حزب الشعب ولا منظمات اليسار التركي تظن أن كسب ود إيران وسورية هو شرط وصولها للحكم في تركيا وبقائها فيه، كما إسلامويي الوطن العربي بالنسبة للطرف الأمريكي-الصهيوني، وليس هناك من هنري برنار ليفي سوري أو إيراني يدير الحراك التركي ويموله ويدعمه…
كل ما في الأمر أن حزب العدالة والتنمية استفز الشعب التركي بسعيه لتعديل الدستور بعدة اتجاهات منها ما يسمح لأردوغان بالبقاء بالحكم لما بعد عام 2014، ويا للمفارقة! وبزيادة قبضته على مفاصل الدولة، وتقييد وسائل الإعلام… وفرض قيود اجتماعية اعتبرها بعض الاتراك تدخلاً في الحريات الشخصية، ومحاولة لعثمنة الدولة برمتها.
أما موضوع سورية، فلا شك أنه شكل أحد العوامل الرئيسية لاحتجاجات الشعب التركي، لأن السياسات التي يتبعها حزب العدالة والتنمية إزاء سورية زادت من تبعيته للغرب، خاصة مع وضع الدرع الصاروخية لحلف الناتو في تركيا، وتشغيله منذ بداية عام 2012، وتحويل تركيا إلى منصة ناتوية-سعودية-قطرية تديرها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لتصدير الإرهاب لسورية، مما يهدد بجر تركيا لحرب مع سورية، وهو ما يشكل خطراً على تماسك المجتمع التركي، وعلى استقرار الاقتصاد التركي الذي تعاني بعض قطاعاته بسبب العقوبات المفروضة على سورية، وانخفاض حركة إعادة التصدير، عبر تركيا، من بلاد الشام إلى أوروبا الغربية والشرقية إلى مستويات غير مسبوقة.
فالشعب التركي الذي نزل إلى الشوارع عام 2003 لمنع استخدام الأراضي التركية لغزو العراق برياً، مع أن القواعد الجوية الأمريكية في تركيا تم استخدامها ضد العراق في تلك الحرب، ها هو يعود إلى الشوارع في عام 2013، جزئياً لمنع انزلاق تركيا إلى الحرب على سورية… أي أنه ينزل للشارع ضد المؤامرة، وليس بسبب مؤامرة.
فتحية للشعب التركي وقواه الحية في العام 2003 وفي العام 2013! أما أردوغان الذي كان يحاضر ويتفذلك ويتطاول فيما يخص الشأن السوري، فكل ما يمكن أن نقوله له الآن هو ما جاء في الآية الكريمة: ذق إنك أنت العزيز الكريم .
ملاحظة: لا ننسى أن لنا كعرب محافظات عربية سورية محتلة في تركيا حتى في خضم مثل هذا الحراك الذي يخدمنا آنياً في الشارع التركي.
للمشاركة على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=665565710127334&set=a.306925965991312.96654.100000217333066&type=1
اترك تعليقاً