د.إبراهيم علوش
2013/5/19
الخلاصة تبقى: مهرجان رفض وجود القوات الأمريكية على الأرض الأردنية في إربد نجح، وعُقد في الشارع في الهواء الطلق، بالرغم من هجوم من يلوحون بأعلام “القاعدة” والانتداب، بالأسلحة البيضاء، على الوفد القادم لإربد من عمان.
لكن السؤال الحقيقي هو: ماذا نسمي من يهاجمون مهرجاناً لرفض وجود القوات الأمريكية في الأردن؟!
نسميهم “مارينز”… ولو لبسوا جلباباً واصطنعوا لحية، أو ادعوا أنهم قوميون. فمن يهاجم مناهضي الوجود الأمريكي في الأردن لا يمكن إلا أن يكونوا من جماعة “العم سام”. وعلى الذين وقفوا مقابلنا في إربد اليوم أن يدركوا جيداً أنهم لم يكونوا أكثر من حراس للقواعد العسكرية الأمريكية في الأردن…
قوات الأمن الأردنية التي منعت فتح مجمع النقابات المهنية في إربد لإقامة المهرجان المناهض للوجود العسكري الأمريكي في الأردن، بذريعة الحفاظ على الأمن، لم تتدخل للفصل بين العشرات من أعضاء الوفد القادم من عمان وبين المئات ممن يحملون علم القاعدة والانتداب الذين هاجموهم… إلا بعد انسحابنا تحت وطأة اختلال ميزان العدد والأسلحة البيضاء، فهل كان المطلوب أن نعد أنفسنا لحرب أهلية أم لتعبير سلمي عن الرأي؟! وما هو مقياس التعبير السلمي بالضبط؟ هل من المسموح للقوميين واليساريين مثلاً أن يحملوا السيوف أمام السفارة الصهيونية أو الأمريكية في عمان وأن يستخدموها لمهاجمة كل من يحاول الدخول إليهما، كما حاولنا أن ندخل سلمياً لمجمع النقابات المهنية في إربد؟! نريد أن نعرف، لو سمحتم، طبيعة مقاييس الأمن في البلد لكي لا نتجاوز على القانون إذا كان القانون شأناً يهم أصحاب القرار في الأردن…
السؤال الأخر هو: هل تدرك الدولة أن من أُفلتوا علينا اليوم سيفلتون عليهم غداً، وأن مسايرة النهج التكفيري لمصلحة قصيرة المدى، هي منع نشاط مناهض للتواجد العسكري الأمريكي في الأردن، لا توازي تدمير النسيج الاجتماعي الأردني على المدى الطويل؟!
وهل تدرك الدولة، وحتى الإخوان المسلمون، أننا كنا نحمل اعلاماً أردنية، وسورية، وأنهم لم يرفعوا بالمقابل علماً أردنياً واحداً، وكانوا يلوحون بالأسلحة البيضاء، عوضاً عنه، في الشارع، إلى جانب الرايات السود، وعلم الانتداب الفرنسي، أمام أعين قوات الأمن؟! وهل يدرك صاحب القرار أنه يؤسس بهذا لتقويض الأمن الداخلي في الأردن، إذا كان الأمن يعنيه فعلاً؟!
نعم هوجمنا ووقعت بيننا إصابات، وهذا لا يعيبنا أبداً. فدماؤنا فداء للأردن وسورية وفلسطين والعراق وسبتة ومليلة وكل بقعة عربية محتلة من المحيط إلى الخليج. ويشرفنا أن نقدم دماءنا اليوم دفاعاً عن سورية، فهي ليست أغلى من دماء جندي عربي سوري واحد. لكننا نريد أن نعرف، إذا أمكن، إذا كان الجهاز الأمني في الأردن قد بدأ يتسامح مع تشكيل ميليشيات شبه عسكرية، لأننا ربما ظننا خطأً أن المنطقة الرمادية قانونياً تتعلق بالعمل السياسي السلمي، فما هي حدود المنطقة المحظورة للعمل السياسي بالضبط؟ وهل خرجنا من مرحلة الأحكام العرفية المقوننة “ديموقراطياً” إلى مرحلة تفكيك الأردن وتصدير المشاريع المعادية إليه؟
بجميع الأحوال، على النظام الأردني أن يدرك جيداً بأن من يدافعون عن سورية اليوم هم الذين يدافعون عن الأردن، وبأن من يستهدفون سورية هم الذين يستهدفون الأردن، وبأننا نحن المعارضين القوميين واليساريين، المستقلين والحزبيين، حراس الأمن الوطني الحقيقيين الذي يفرط فيه من يزجون بالأردن في مشاريع معادية لسورية، وللأردن وللقضية الفلسطينية…
ملاحظة شخصية للاصدقاء، ولمن وزعوا صوري مصاباً أمام السفارة الصهيونية في عمان عام 2006: لم اصب بأذى خلال الهجوم الذي شنته القوى الظلامية على الوفد القادم من عمان لإربد اليوم، لكن رفاقاً من حولي أصيبوا، وهو ما لا يغير من الأمر شيئاً. فلم أذهب لإربد لكي أوفر نفسي من الإصابة، ولا أنا أغلى من رفاقي، ولو أصبت لما كان ذلك نصراً لمناصري القوات العسكرية الأمريكية في الأردن، ولا هزيمةً لمناهضيها. وفي النهاية، أقمنا مهرجاننا المناهض لوجود القوات الأمريكية في الأردن في الشارع أمام مجمع النقابات المهنية، وألقيت فيه كلمة، بالرغم من كل شيء. ولو لم نقمه، يشرفني أن اصاب في أي نشاط مستقبلي ضد وجود السفارة الصهيونية أو القوات الأمريكية في الأردن. فالأفراد مصيرهم الزوال، أما الوطن، فيبقى للأبد.
للمشاركة على الفيسبوك :
اترك تعليقاً