إبراهيم علوش
شكلت عملية الاختراق الالكتروني المؤثرة وواسعة النطاق التي قام بها عشرات آلاف الشباب العربي للبنية الافتراضية العامة والخاصة الصهيونية إنجازاً مؤزراً وحقيقياً لمصلحة حركة مناهضة الصهيونية فلسطينياً وعربياً وعالمياً، ومؤشراً زاخراً بالأمل بالإمكانيات غير القابلة للتدمير للشباب العربي، خاصة بعدما سارع حلفاء الكيان الصهيوني في أوروبا والولايات المتحدة للدفاع عنه، لتنكشف الطبيعة الحقيقية والأصيلة للصراع: فلسطين ليست سوى ساحة صراع بين الأمة العربية وحلفائها من جهة وبين الإمبريالية والصهيونية واذنابهما من جهة أخرى.
ويمكن، عشية تفتح براعم الربيع في بلادنا هذه الأيام، أن نعتبر ما جرى من إثخانٍ الكترونيٍ في المؤسسة الصهيونية بداية ربيع حقيقي، غير الربيع المزيف المرتبط بالإمبريالية والصهيونية، لأن بوصلته، أولاً، تتجه نحو التناقض الرئيسي، وكل بوصلة لا تتجه للقدس مشبوهة أو مخترقة؛ ولأن برنامجه، ثانياً، كان عروبياً لم يتقيد بالحدود بين الاقطار العربية، ولم يغرق ويذوب في الشأن المحلي بشكل منفصل عن التناقض الرئيسي؛ ولأن حراكه، ثالثاً، لم يتخذ طابعاً محلياً صرفاً، بل اتخذ طابعاً عابراً لحدود التجزئة بين البلدان العربية، من سورية لمصر والسودان، ومن المغرب والجزائر إلى عُمان، مروراً بكل بلاد الشام، بالاشتراك مع الشباب العربي في المهجر وحلفائهم من المسلمين غير العرب والغربيين غير المسلمين؛ ولأن اصطفافه الفعلي في هذه اللحظة السياسية، رابعاً، يصب موضوعياً في مصلحة: أ – قوى المقاومة العربية المناهضة للصهيونية من لبنان إلى فلسطين إلى سورية إلى العراق إلى حركة مناهضة التطبيع في عموم الوطن العربي والعالم، ب – الدولة السورية في خضم الصراع الوجودي الذي تخوضه ضد الإمبريالية والصهيونية وأذنابهما المحسوبين زوراً على العرب والمسلمين، مع العلم أن شباناً سوريين شاركوا بفعالية في المعركة الالكترونية، ج – القوى الدولية والإقليمية الصاعدة الساعية لبناء عالم متعدد الاقطاب في مواجهة الحلف الإمبريالي-الصهيوني الذي يحكم العالم اليوم.
من ناحية عملياتية، كانت الهجمة الالكترونية على الفضاء الالكتروني الصهيوني نموذجاً من القرن الواحد والعشرين لحرب العصابات، وقد اثبت ذلك النموذج أن الشباب العربي يمتلك القدرة والعقل والكفاءة والإرادة لخوض معارك مظفرة ضد أعداء الأمة لا في الفضاء الافتراضي فحسب، بل في الفضاء الحقيقي أيضاً لو تمكن من نسخ ولصق بوصلته وبرنامجه وشكل حراكه واصطفافه السياسي، كما جاء أعلاه، من الإنترنت إلى ميدان الواقع. وهو الربيع الحقيقي الذي لا يمكن إلا أن يتمناه ويعمل من أجله كل عربي شريف.
لكن من واجبنا أن ننبه، في هذه العجالة، إلى عنوان “أنونِموس”، بمعنى مجهول بالإنكليزية، وهو عنوان افتراضي لمجموعة هاكرز دولية فضفاضة بلا شكل تنظيمي ولا قيادة من عدة بلدان نشأت في العالم 2003 لمحاربة الرقابة على الإنترنت ومحاربة سيطرة الحكومات المركزية، على أسس من الأيديولوجية الفوضوية، وتبني قضايا تجنح لليبرالية أحياناً، وهو ما قد يفسح المجال لاختراق من نوع أخر ربما يحول بداية الربيع الافتراضي إلى شتاء حقيقي كما حدث معنا منذ فترة قريبة في هذه الأمة.
لكن الشبان العرب الذين خاضوا المعركة المبدعة والرائعة ضد العدو الصهيوني خلال اليومين الماضيين ليسوا أنفسهم أعضاء مجموعة “أنونِموس” الأصلية، لا بل أن تلك المجموعة لا تحظى بعضوية ثابتة، بل تشكل عنواناً عاماً لممارسة حرب العصابات الجماعية عبر الإنترنت لأي غرض، ومن هنا التحذير المسبق بإمكانية استخدام نفس العنوان، “أنونِموس”، باتجاه أخر يخدم مصلحة الإمبريالية، خاصة أن شعار “محاربة الرقابة على الإنترنت” يمكن أن يكون أداة ضد الصين مثلاً، أو الدول المناهضة للإمبريالية التي تسعى لتحصين نفسها في فضاء افتراضي مسيطر عليه إمبريالياً. وهي مسؤولية الهاكرز العرب أن ينتبهوا من أي محاولة لحرف البوصلة والبرنامج.
أخيراً، يأتي قناع “أنونِموس”، وهو قناع غاي فوكس، من فيلم “ثاء تعبيراً عن ثأر”، أو V for Vendetta ، الذي أسس لفكرة العمل المناهض لدولة ثيوقراطية (يحكمها رجال الدين المسيحيون) في بريطانيا من خلف قناع. ويمكن معرفة المزيد عن هذا الفيلم ورسالته وشخصية “أنونِموس” من هذا التحليل المنشور عن الفيلم عند إشهاره قبل سبع سنوات:
للمشاركة على الفيسبوك:
اترك تعليقاً