مشروع “التغيير الديموقراطي في سورية” بين الزومبي والإخونج

الصورة الرمزية لـ ramahu




د.إبراهيم علوش

يزعم الخطاب المشكك بالقيادة السورية أنها فاقدةٌ للمشروعية الديموقراطية لأنها جاءت نتاجاً لانقلابات عسكرية، لا لعملية انتخابية مفتوحة ونزيهة، ولأنها، حسب الخطاب نفسه، مارست الاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان على مدى عقود، وصولاً للمزاعم الراعفة بأن النظام “قتل شعبه”، خاصة خلال العامين الاخيرين، بكافة أنواع الأسلحة.

وعليه يروج من يتبنون ذلك الخطاب أن مشروعية المتمردين على النظام السوري تنطلق من رغبتهم بتاسيس “نظام ديموقراطي تعددي” في سورية يرتكز لتداول السلطة انتخابيا واحترام حقوق الإنسان…

وبما أن الدول الغربية دولٌ تقوم دساتيرها على الديموقراطية الانتخابية واحترام حقوق الإنسان، حسب الدعاية الإعلامية نفسها، فمن الطبيعي أن تدعم مثل ذلك التوجه “الديموقراطي” لدى “الثوار” السوريين، وأن تدعو لتنحي القيادة السورية عن السلطة، وأن تقدم مختلف أنواع الدعم العسكري والأمني والمالي لهم، بهدف تحقيق “التغيير الديموقراطي في سورية”.

ومع أن مثل هذا الخطاب “الديموقراطي” ضد النظام السوري ربما يبدو للبعض براقاً وآخاذاً للوهلة الأولى، فإنه ليس في الواقع أكثر من كذبة جميلة واهنة ومتهافتة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار:

أولاً، أن القوى الأساسية التي تقود “الثورة” في سورية وتحركها، من قطعان الزومبي إلى الإخونج (على وزن إفرنج، بعد تصريفها إسلاموياً)، ليست قوىً ديموقراطية أصلاً لا في البرنامج ولا العقلية ولا المشروع. وقد ثبت من الموثق والمصور من مجازرها وجرائمها وممارساتها الإقصائية وخطابها المغلق أنها قوى ذات برنامج طائفي أساساً مناهض لمفهوم المواطنة الذي تستند إليه الديموقراطية، وأنها تناهض فكرة الدولة الوطنية غريزياً، ناهيك عن مناهضة فكرة “الإنسان” عند الزومبي، حتى قبل التطرق ل”حقوق الإنسان”.

ثانياً، أن قوى الهيمنة الخارجية التي تدعم “التغيير الديموقراطي في سورية” لديها سجل معروف في التعدي على أمتنا العربية وشعوب الأرض، وأن تاريخها الاستعماري ومشاريعها التفكيكية، من سايكس-بيكو إلى “الشرق أوسطية”، معروفين لكل مبتدئ بالتاريخ والسياسة، وأن أطماعها الإمبريالية، خاصة بعد اكتشاف حقول الغاز والنفط الكبيرة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، تحتاج إلى مغفل لكي يصدق خطابها “الديموقراطي” في فنزويلا… قبل أن نصل إلى سورية. ولا نزال نعاني، عشية الذكرى العاشرة لاحتلال العراق وتدميره، عواقب مشاريعها “الديموقراطية”.

ثالثاً، أن حكام الخليج العربي الذين يمولون “التغيير الديموقراطي في سورية” ويسلحونه، والذين يغطونه سياسياً وطائفياً، يمثلون في الواقع نموذجاً تاريخياً فذاً يحتذى به في ممارسة تداول السلطة والتعددية وحرية التعبير بات موضع حسد شعوب العالم من أمريكا الشمالية إلى سويسرا إلى اليابان فأستراليا فجنوب أفريقيا وصولاً للأرجنتين، حتى أن مواطني شعوب الأرض قاطبةً يحلمون أن يشملهم أولئك الحكام برعايتهم، ولو بظل نظام “الكفيل”.

رابعاً، أن القيادة السورية كانت أكثر تجاوباً مع دعوات الإصلاح من أي قيادة أخرى في أقطار ما يسمى “الربيع العربي”، وقامت بالكثير من الخطوات بهذا الاتجاه، ابتداء من شطب المادة الثامنة من الدستور السوري، وإقرار مبدأ التعددية الحزبية، وتداول السلطة، وانتهاء بقبول كل ما يقره الحوار الوطني السوري، لكن بعض دعاة “التغيير الديموقراطي” المزيفين، حتى من لا يحمل السلاح منهم، يرفض مجرد الحوار مع القيادة السورية، ويفضل أن يحاور سفراء الدول الاستعمارية عوضاً عنها. فإذا كانت المشكلة في سورية هي مشكلة إصلاح ديموقراطي، فإن تلك الذريعة تسقط فوراً بمجرد رفض المشاركة بمشروع الإصلاح الديموقراطي، وتسقط أكثر عندما يتم اختلاق الذرائع التي تبرر السلوكيات الهمجية للزومبي والإخونج باعتبارها “ردات فعل”! فمن يروم الإصلاح لا يمكن أن يتسامح مع التدمير المنهجي للبنية التحتية ومؤسسات الدولة باسم الإصلاح… خاصة بعدما بات واضحاً من الذي يقتل المواطن السوري ويهجره ويذبحه ويخطفه ويعتدي عليه ويعطل حياته اليومية بالتفجيرات والقصف.

لكن كل ما سبق يمثل نقاطاً ثانوية في الواقع إذا ما قورنت بالنقطة الأهم وهي أن المرجعية الأساسية التي يفترض أن يتم من خلالها تقييم الموقف في سورية اليوم، أو العراق من قبل، أو ليبيا، ليس المرجعية الديموقراطية، حتى لو كان ذلك يتم بشكل مفتعل لخدمة المصالح الإمبريالية والصهيونية. بل تأتي المرجعية الديموقراطية، ومرجعية حقوق الأفراد، ولو صدقت، في المقام العاشر بعد المئة، بعد المرجعية الوطنية والقومية، أي مرجعية مصلحة الأمة العربية، ولا ديموقراطية حقيقية إلا بالمشروع القومي.

أما الآن، فإن الأهم من تداول السلطة والتعددية وما شابه هو مصلحة الأمة العربية في التصدي للهيمنة الخارجية ودعم المقاومة وبقاء القلعة الأخيرة الناطقة بالفكر القومي، ومصلحة سورية بأن تبقى مستقلة وموحدة.

وإذا وضعنا جانباً تجربة فرض النموذج الليبرالي عالمياً ومراسم التعددية وطقوس التداول المسيطر عليها من رأس المال السياسي والرأي العام الذي تقولبه شركات إعلام احتكارية عالمية، فإن القومي الحقيقي هو من يتمسك بسمو مقياس المصلحة القومية، مصلحة الأمة، فوق أي مقياس أخر.

فإذا اضطررنا للاختيار بين مصلحة الأمة، في أي لحظة، وبين شكليات الديموقراطية أو غيرها، فليذهب كل ما يخالف مصلحة الأمة إلى الجحيم.

ولأن القيادة السورية اليوم تمثل قمة مصلحة الأمة في مواجهة قوى الهيمنة الخارجية ومشاريع التفكيك والإلحاق وشطب الوطن، فإن مشروعيتها القومية قد بلغت شأواً لم تبلغه في أي وقتٍ مضى، حتى وهي تسعى لتحقيق مشروع إصلاح ديموقراطي لا ضرورة له أصلاً في خضم معركة الدفاع عن سورية.

والمهم أن يعرف المرء بوصلته قبل أن يناقش مسألة المشروعية السياسية. ونحن القوميين العرب الجذريين بوصلتنا مصلحة الأمة.


للمشاركة على الفيسبوك :

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=635540343129871&set=a.306925965991312.96654.100000217333066&type=1&ref=nf

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..