طفت ثلة من التطورات والتصريحات خلال الأيام الماضية على المشهد السوري تشير لانزياح افق الحل السياسي خارج المدى المنظور، كان منها:
1) قرار الجامعة العربية في القاهرة قبل أيام فتح باب التسليح غير المقيد للإرهابيين السوريين وغير السوريين الساعين لتدمير سورية اليوم،
2) قرار لقاء الجامعة العربية نفسه منح مقعد القيادة الشرعية في سورية لأولئك الإرهابيين،
3) تصريح وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ حول رفع مستوى التسليح البريطاني المباشر لحركة الإرهاب المدعومة خارجياً في سورية إلى معدات عسكرية غير قتالية مثل الآليات والدروع الواقية للرصاص الخ…
4) قرار وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال مؤتمر روما ل”اصدقاء سورية” في 28/2/2013 بمنح حركة الإرهاب المدعومة خارجياً ستين مليوناً إضافية من الدولارات،
5) تصريح نبيل عربي، الأمين العام للجامعة العربية، بأن لا أفق مطلقاً لحل سياسي في سورية وأن المطلوب هو قرار من مجلس الأمن الدولي بالتدخل العسكري المباشر في سورية،
6) تكرار عدد من اللاعبين الإقليميين والدوليين، الشهر المنصرم، بأن لا مكان للرئيس الشرعي لسورية بشار الأسد في أي حل سياسي مقبل في سورية، ويبرز هنا تصريح شمعون بيريز، رئيس دولة الكيان الصهيوني، بضرورة إسقاط النظام السوري،
7) تصعيد العمليات الإرهابية ضد المدنيين وضد مؤسسات الدولة السورية، وضد المراقبين الدوليين في الجولان، واستخدام الولايات المتحدة لحق النقض في مجلس الأمن الدولي في 22/2/2013 لإجهاض مشروع قرار روسي يدين التفجيرات الإرهابية في دمشق على الرغم من زعم الولايات المتحدة أنها وضعت “جبهة النصرة” على قائمة الإرهاب، وهو ما قال لافروف، وزير الخارجية الروسي، بعد لقائه بنظيره الصيني، بأنه سابقة مهمة، في “رفض الولايات المتحدة إدانة الإرهاب بشكل غير مشروط”.
وقد جاءت هذه التطورات على خلفية شبه انفراج معاكس قبلها، ومعها تقريباً، بمواقف اللاعبين الدوليين والاقليميين، برز منها على الأخص ما تمخض عن لقاء لافروف وكيري في برلين، قبل مؤتمر “اصدقاء سورية” بيومين. وقد قالت صحيفة الواشنطن بوست المرموقة في 26/2/2013 أنه لقاءٌ استغرق 1:45 دقيقة، قضى لافروف وكيري أكثر من نصفها في تناول الشأن السوري، وبقية الوقت في تناول برنامج إيران النووي والدرع الصاروخي الناتوي في أوروبا، وبقية شؤون العالم.
الأهم أن الحديث في الشأن السوري، حسب الصحيفة نفسها، تمحور حول كيفية تطبيق اتفاق جنيف بشأن سورية..
وأهمية اتفاق جنيف بصدد سورية، الذي عرض على الأمم المتحدة في 16/3/2012، بالرغم من ثغراته وعيوبه الكبيرة، أنه يتحدث عن حل سياسي وتفاوض مع هذه القيادة السورية وهذه الدولة، وليس عن حل سياسي يتجاوزهما. وقد نُقل عن لافروف بأنه اعتبر المحادثات مع كيري بناءةً. بالتالي، مثل ذلك مؤشراً كبيراً أن الحل السياسي في سورية على الطريق…
لكن عادت القوى الدولية والإقليمية الراعية للعمل الإرهابي في سورية، بعد ذلك، وفي خضمه، إلى المواقف المتصلبة وإلى التصعيد السياسي والميداني، كما جاء أعلاه، مما عطل الحل السياسي فعلياً، ومما يفسر تصريحات لافروف الأخيرة بأن الأسد باقٍ وبأن روسياً غير معنية بلعبة “تغيير الأنظمة”، رداً على تصلب الطرف الآخر.
بتنا إذن نتحدث عن محاولة تفريغ مشروع الحل السياسي من مضمونه، ولا حل سياسي في سورية: 1) بدون موافقة القوى الدولية والإقليمية الراعية للإرهاب على إيقافه، و2) يقوم على نيل قوى الإرهاب ورعاتها مسبقاً لمكاسب سياسية عجزت عن فرضها ميدانياً، لأن الحل السياسي، أي حل سياسي لأي صراع، لا بد له أن يعكس ميزان القوى على الأرض، سوى أن ميزان القوى على الأرض، بعد عامين من العدوان على سورية، لا يتيح لقوى الإرهاب ورعاته الإقليميين والدوليين أن “يطالبوا” بإعلان استسلام غير مشروط من قبل من يدافعون عن سورية في الوقت الذي يفشل فيه مشروعهم السياسي والميداني، ولا ينجحون إلا بتدمير سورية مادياً واقتصادياً، مما يدفع ثمنه الشعب السوري خاصة والشعب العربي عامة.
أما الحوار مع القوى المعارضة والمدنية داخل سورية وخارجها المعنية بالحفاظ على ما حققته سورية من مكاسب خلال العقود الماضية فقصة أخرى مختلفة تماماً وليست موضوعنا هنا.
العبرة أن ما يجري الآن هو محاولة استنزاف صريحة لسورية دولة وجيشاً وشعباً ومؤسسات وقيادة، فإذا لم ترضح سورية لشروطهم المسبقة المرفوضة مبدئياً، يكون رعاة الشر والإرهاب قد حققوا هدف إستراتيجي أخر أقل شأناً هو إضعاف سورية ودورها الإقليمي لمصلحة تركيا والكيان الصهيوني وحكام قطر والسعودية وقيادات الإسلامويين وحلف الناتو طبعاً وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، إذا ما آن اوان الحل السياسي بعد حين.
أما إذا تحقق لهم شيئاً من النجاح، دون أن يتمكنوا من إسقاط النظام، فربما يؤدي ذلك بنظرهم لوضع سورية على سكة التقسيم، وعندها يصبح “الحل السياسي” مشروع تفكيك سورية حسب وثيقة كيفونيم.
ضمن معادلة من هذا النوع، فإن الجيش العربي السوري والقيادة السورية يبذلان كل غالٍ ورخيص للذود عن وسورية، لكن ذلك يمثل استراتيجية دفاعية من منظور الصراع الإقليمي والدولي على وفي سورية، ما دامت حنفيات دعم الإرهاب المدعومةً من الخارج مستمرةً في التسليح والتمويل والتدريب والتغطية السياسية والإعلامية.
فهم لا يخسرون شيئاً، إلا تبديد عائدات العرب النفطية، وتبديد دماء السوريين، حتى من حلفائهم وادواتهم، كما يتخلصون من عبء التعايش مع المخلوقات ما قبل التاريخية المناهضة للإنسان والحضارة التي فقسوها في مختبرات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لمحاربة السوفييت في أفغانستان.
لا بد إذن من وسيلة ضغط ما لكي يشعر أعداء سورية بضرورة عدم تأخير مشروع الحل السياسي في سورية، فهم ولو كان مدركين بأن مشروعهم فشل، بعد عامين من المحاولة، يرون أن الاستمرار بمحاولة استنزاف سورية وإضعافها يظل أقل كلفة من القبول بحل سياسي يمثل في الواقع إعلان هزيمة بالنسبة لهم. فحافزهم للسماح لأدواتهم بالانخراط بحل سياسي يبقى ضعيفاً ما دامت عواصمهم مستقرة، فيما تكافح دمشق يومياً للحفاظ على استقرارها.
ولا نريد أن نحمل سورية، فوق ما تمر به، المزيد من الأعباء والمسؤوليات، وقد لفتت نظري مقالة للصديق غالب قنديل بعنوان “جميع حلفاء سورية مقصرون”، اعتقد انها التقطت طرف الخيط جيداً هنا. فحلفاء سورية، معظمهم، يتصرفون على مستوى القيادة السياسية وكأنهم محايدون ويبقون خيوطاً مع الطرف الآخر وكأنهم غير مستهدفين مما يجري في سورية!
حلفاء سورية، في معظمهم، وبدرجات متفاوتة، لا يقدمون كل ما يملكون في المعركة، ولا يتصرفون تماماً كأن المعركة معركتهم، ولا نلقي بالاً هنا لمن صنعت سورية معهم خيراً لكي يخونوها عند أول فرصة، ولا نقلل أبداً مما يقدم من دعم، إنما نقول بأن المطلوب منهم على الأقل أن يجاروا الشراسة التي يقدم فيها رعاة الإرهاب الإقليميين والدوليين الدعم لأدوات الإرهاب في سورية.
على مستوى أنصار سورية في الشارع العربي، فإن المطلوب هو تصعيد النشاط المؤازر لسورية حيثما كان ذلك ممكنا، وبكل طريقة ممكنة، في كل ساحة حسب ظروفها ومعادلاتها، وينطبق ذلك بالضرورة على أنصار سورية في الفضاء الافتراضي للرد على حملات التضليل والفتنة التي تستهدف سورية.
علينا نحن أنصار سورية أن ننقل المعركة السياسية والإعلامية على الأقل إلى خارج سورية، وأن نضغط بشكل منهجي ودائب لتخفيف الضغط عن سورية. ولا يجوز أن يكون فعلنا أقل من فعل المعارضة التركية التي جعلت قضية تدخل الناتو عبر العدالة والتنمية في سورية قضية شارع في تركيا!
المهم علينا أن نصعد كثيراً من النشاط التضامني مع سورية، وأن ننقله للدول المتدخلة في سورية، إذا أردنا للحل السياسي أن ينجح فعلاً في سورية.
وفصل المقال هو أن لا حل سياسي حقيقي في سورية بدون هزيمة الإرهاب وتوقف دعمه من الخارج. وهذا لن يحدث دون أن يشعر من يدعمونه بالحاجة الملحة لوقف الإرهاب.
د.إبراهيم علوش
للمشاركة على الفيسبوك:
http://www.facebook.com/photo.php?fbid=623364134347492&set=a.306925965991312.96654.100000217333066&type=1
اترك تعليقاً