عملية تسديد الحساب

الصورة الرمزية لـ ramahu

 

   بشار شخاترة

 

لم يكد الرئيس المصري يكمل الأربعين في منصبه حتى وجد نفسه أمام أزمة من العيار الثقيل ، فجريمة اغتيال الجنود المصريين في سيناء هزت القاهرة وبدا الجميع مأخوذين من هول الصدمة والمفاجأة ، فمن حيث تفرد هذا النوع من العمليات في هذه المنطقة إلى فداحة الخسائر البشرية إلى  تطور العملية بشكل يذكر بالطريقة الهوليودية في أفلام الاكشن عندما استولى المهاجمون على مصفحات مصرية وهاجموا قوات الاحتلال الصهيوني في معبر كرم أبو سالم ولتجهز قوات الاحتلال عليهم ودون خسائر بين صفوف قوات العدو .

 

لا شك أن هذا الأسلوب في العمليات ضد ( إسرائيل ) جديد ويلقي بظلال من الشك حول طبيعة العملية والسهولة النسبية التي تم القضاء فيها على المجموعة المهاجمة في حين كانت الخسارة في الجانب المصري فادحة بكل المقاييس ، كما يشير إلى أن هناك بعدا استخباريا فيما يتعلق بمهاجمة المفرزة المصرية وارتجالا واضحا في الهجوم على الموقع الصهيوني .

 

وجهت حركة الإخوان في مصر التهمة للموساد بالوقوف حول هذه العملية وقد لا تكون فعلا ( إسرائيل ) بعيدة عن الموضوع نظرا للملابسات التي رافقت العملية والتي أثرنا بعضا منها فيما تقدم ، على انه ما قيل من تحقق الهدف من عدمه وعن المستفيد من العملية فأنني أجد أن هذا من وجهة نظر الإيمان بالمقاومة والعمل المسلح ضد الكيان الغاصب سؤال لا محل له ، فالأصل ومن باب استمرار وتيرة المقاومة طالما بقي الاحتلال فان استهداف العدو أمر مشروع في أي زمان ومكان بصرف النظر عن الظرف وعن أي اعتبار طالما كان ذلك متاحا وظروفه ممكنة ، فالتساؤل عن المستفيد من أي عمل مقاوم يستهدف العدو سؤال يطرحه الليبراليون أو المتخاذلون أو فاقدي القدرة على التوجيه نحو المعركة الحقيقية ، لكنه سؤال لا يطرحه مقاوم أو مؤمن بالمقاومة أو ثوري أو مؤمن بالثورة .

 

من الواضح أن الإخراج السياسي للعملية المخجلة بحق الجنود المصريين وللعملية برمتها أيضا لان هناك شقا مهما يتعلق بجيش العدو ، هذا الإخراج أصبح من الواضح انه هو النتيجة المرجوة من العملية برمتها ، فقد تشعبت الإشارات والتي ترجمت وبسرعة فائقة إلى إغلاق معبر رفح تلاها تدمير للأنفاق بين شطري رفح أو بالأحرى شريان الحياة للقطاع  ، وصولا لعملية أمنية يقوم بها الجيش المصري في سيناء واستخدامه للطيران لأول مرة منذ حرب تشرين أول / أكتوبر وبسرعة فائقة يعكس التهافت الصهيوني لانجاز هذه العملية ، ( فإسرائيل )لطالما كانت تعارض أي تواجد عسكري مصري في سيناء له قيمة عسكرية عملانية .

 

أول الخاسرين ليس غزة كما قيل لان قضية التموين والتنقل قابلة للحل في أي وقت طالما كانت القدرة على المقاومة مشلولة ، أول الخاسرين هو خيار المقاومة دون أدنى شك ولا ننسى أن الخسارة أيضا كبيرة بالنسبة للجنود الذين قضوا وأم الخسائر بالنسبة لأهلهم حتى لا نقلل من الم الخسارة على هذا الصعيد ، وللتوضيح فان متابعة الحدث من لحظة البداية كانت الأدوات التي أوكل إليها الإخراج السياسي والإعلامي  للعملية تأخذ المسألة برمتها على مشهدين ، الأول وبحق ، الجنود الأبرياء الذين اخذوا على حين غرة أثناء تناولهم الإفطار بعد صيام يوم طويل ، والثاني تسلل المهاجمين عبر الأنفاق قادمين من غزة يعاونهم مجموعة أخرى في سيناء وذلك لإكمال المشهد القادم من غزة ليكون له ما بعده وقد حصل .

 

وبعد أن اكتملت عملية الشحن الإعلامي الكثيف في إطار المشهد السابق ، بدأت العملية بمهاجمة مواقع السلفيين الجهاديين في سيناء ، وإغلاق المعبر الذي لم تمضي فترة على فتحه ، لنصل إلى النقطة الأهم وهي تدمير الأنفاق البديل العبقري الذي أبدعه الغزيون للالتفاف على الحصار والاهم من ذلك هو الإفلات من الرقابة المصرية والصهيونية لتهريب السلاح إلى القطاع وكل ما يتعلق بلوجستيات الحرب  وإذا ما توالت عملية ملاحقة الأنفاق عندها نقول أننا فعلا خسرنا أو على وشك أن نخسر قاعدة هامة للمقاومة .

 

بدأت مع مرسي هذا المقال وكنت اقصد هذا ، لأقول أن عملية بناء جدار بعمق كبير أيام مبارك لمغزى واضح  كانت وصمة العار التي لاحقته ونظامه ، لنعود إلى المربع الأول إغلاق وتدمير للأنفاق ، عمل لا يجوز لرئيس حملته ( الثورة ) – التي هدمت معاولها نظام مبارك – أن يقبل بذلك تحت أي ظرف ، ولكن لا ألومه لأننا عندما كنا نقول منذ البداية ولم نزل إن الثورة التي لا ترفع شعارا ثوريا تحرريا وقوميا بحق مع التركيز على البعد القومي وتجلياته في قضيته المركزية فلسطين وبما يطرح فك التبعية مع المركز الامبريالي لن ينتج إلا حالة إقليمية في أحسن تجليات الثورة  وحالة مفككة هائمة لا شواطئ لها وهذا ما هو حاصل في أكثر من قطر عربي ومصر منها ، لذا وبسبب فقدان المرجعية الثورية المنسجمة مع تطلعات الثوار تختطف الثورة أي ثورة وسيجد أصحابها أنهم يعيدون إنتاج واقع رفضوه ولكن بلون آخر ، ولتصبح المسألة كرامة مصر وشعبها التي تهدرها ( إسرائيل ) كل يوم ولا من معترض ولكن تقوم الدنيا على فلسطين والفلسطينيين والمقاومة على ما جرى ، الحقيقة أن حادث سيناء كان اختبارا حقيقيا للثورة أولا بعمومها وللثوار ثانيا لتسقط أحلام ( الثوار ) أمام الاختبار الحقيقي عندما تواجه المحور الصهيوامريكي ولتسقط ( الثورة ) برمتها ، من لم يفق من سكرة الحرية الأمريكية بعد فلن يفيق  أبدا.

 

المقاومة لن يصفيها مبارك أو عباس ، فليس بمقدورهم فعل ذلك لأنهم عملاء ، ولكن من يريد أن يصفي مقاومة غزة فلا بد أن يكون ثوريا أولا وبالشرعية الثورية وإسلاميا ثانيا لان رافع راية المقاومة حماس ( إسلامية ) فما كان لغير إسلامي أن يجرؤ على فعل ذلك لأنه حرام شرعا ولا يريد أيا كان مهما كان أن يوصف بالكفر والزندقة فلا بد من واحد من أهل البيت الإسلامي ، وهذا ما هو كائن الآن مرسي يتوعد ورئيس وزرائه يهدد ويقدمون الغطاء السياسي والجيش ينفذ والجماهير الثائرة تصفق ، لو فعلها مبارك لعجزت اللغة العربية بما رحبت عن أن تتسع لصفات الخيانة والعار ولاستعرنا من مفردات الأمم ما يفيه حقه من المهانة ، ذهب غير مأسوف عليه ولكن بقيت تركته .

 

شرعية كامب ديفيد مضت مع مبارك ، لذا لا بد لها من شرعية جديدة ، وهي الثمرة السياسية الصهيونية الثانية لهذه الأزمة فلا بد من ختم الشرعية الثورية على المعاهدة، والختم إسلامي أيضا لان الرئيس هذه صفته، والتعديل المطلوب  تنادي به مصر الآن ، شرعية شعبية ( لإسرائيل ) تحت أكذوبة تحقيق المكاسب لمصر وحفظ الهيبة والأمن في سيناء ، وما أخشاه أن تصدق مصر وهم الكرامة بعيدا عن عروبتها، ووهم أنها تحررت ، إنها عملية استدراج إلى المربع الصهيوني فحذار يا أهل الكنانة ولنا فيكم أمل لن يخيب .

 

وللتذكير كانت منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها فتح وتحت عنوان التمثيل الشرعي والوحيد والثوري للشعب الفلسطيني أيضا وصلت القضية إلى ما نرى ، والمشهد يتكرر ولكن بطبعته الإسلامية الثورية ودم غزة يتفرق بين القبائل الاخوانية المصرية منها والفلسطينية ، وليزرع في خلد الشعب المصري العداء للقضية التي حملها شعب مصر العربي ودفع ثمنا غاليا تستحقه فلسطين وعن طيب خاطر ، ولكن عبد الناصر رحل منذ زمن بعيد وملأ الكراسي اليوم أناس غيره ، كان أحرى بمرسي أن يقف للحملة وان لا يجامل على حساب جريمة اغتيال المقاومة ولو كلفه ذلك منصبه وان لا ينجرف في موجة الإعلام !!!؟ ولكن هيهات .   

 

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..