عندما يلعب تلامذة هنري برنار ليفي بورقة الجولان…

الصورة الرمزية لـ ramahu

برنار ليفي و وايهود أولمرت

د. إبراهيم علوش

23/7/2012

 

فليسمح لي الساسة والكتاب الوطنيون في سورية، وأنصارها العرب، وهم كثر بالمناسبة، أن أتناول مسألة قد تبدو بديهية بالنسبة لهم، ولكنها كثيراً ما تستخدم في الخطاب التحريضي ضد سورية في الشارع العربي، خاصة منذ بداية حركة الإرهاب والعصيان المسلح المدعومة من حلف الناتو وأذنابه، كما سبق أن أثبتنا عبر أكثر من وثيقة وتقرير غربي.

 

تلك المسألة هي مسألة الجولان.  إذ كثيراً ما تسمع من يرد علينا، عندما نشير أن سورية تحتضن المقاومات ونهج المقاومة، ولم تنجر كغيرها للتطبيع مع العدو الصهيوني وعقد المعاهدات معه – ذلك التطبيع وتلك المعاهدات التي اتخذت مشروعية انتخابية وإسلاموية بعد “الربيع العربي”- أن القيادة السورية، على ما زعموا، لم تطلق طلقة واحدة من الجولان عبر أربعين عاماً، وأن جبهة الجولان هي الأهدأ بين جبهات الصراع العربي-الصهيوني، الخ…

 

والغريب أن من يثير مثل تلك الدعاية المغرضة لا يسأل قط عن موقف من يسميهم البعض “ثواراً سوريين” من تحرير الجولان، حتى على المستوى السياسي، ولمّ يتجاهلونه في برامجهم، ولمَ لا يوجهون أسلحتهم تجاه العدو الصهيوني، إذا كانوا ضده لهذه الدرجة، بديلاً من توجيهها ضد أخوتهم السوريين (ومجندي جيش التحرير الفلسطيني)، ولمّ يعادون المقاومة اللبنانية التي هزمت العدو الصهيوني مرتين، ولمَ صرح صدر الدين البيانوني، المراقب العام السابق للإخوان المسلمين، أنه مستعد لعقد السلام مع “إسرائيل”، التي اعتبرها موجودة، ولمَ يمارس قادة “الثورة” السورية التطبيع العلني المفضوح مع اللوبي الصهيوني، ومع الإمبريالية الأمريكية والأوروبية، راعية الكيان الصهيوني وصانعته، ولمَ قبلوا بالصهيوني الكبير هنري برنار ليفي قائداً سياسياً ومرشداً روحياً لـ “ثوراتهم”؟!  ولمَ… ولمَ… ولمَ… ومن المؤكد أن القارئ اللبيب يستطيع أن يضيف عشرات الأسئلة/ الردود هنا.

 

بالرغم من ذلك، وبعيداً عن التشويه المغرض، والنفاق السياسي، والمواقف التي تنبعث منها رائحة البترودولار،  وبعيداً عن دور سورية الواضح في تبني نهج المقاومة، وعن دفعها أغلى الأثمان بسبب ذلك، لا بد أن نعترف أن كثيرين قد التبس عليهم الأمر فيما يتعلق بالجولان وفيما يتعلق بغيره، وأننا لنخطئ، بالأخص في هذه المرحلة، لو تجاهلنا تساؤلات من قد يتأثرون بالتضليل الإعلامي، فالتحريض والتشويه والفتنة أشد من القتل، والمقدمة الضرورية للقتل.

 

بدايةً ليس صحيحاً أن القيادة السورية لم تطلق طلقة واحدة من الجولان منذ أكثر من أربعين عاماً، وها هي حرب تشرين عام 73 – تلك الحرب التي يتم استهداف القيادات العسكرية والأمنية السورية التي اشرفت عليها اليوم بشكل مباشر لمصلحة العدو الصهيوني – تثبت بأن مثل هذا القول هو محض هراء. 

 

لكن الإجابة الحقيقية على مسألة جبهة الجولان تتطلب إلماماً بشيء من الجغرافيا السياسية، بالتحديد، إلماماً بميزان القوى الإقليمي في الوعاء الجغرافي الذي يضم سورية. 

 

فبعد دخول أنور السادات حقبة الصلح المنفرد مع العدو الصهيوني، وبعد خروج مصر من معادلة الصراع العربي الصهيوني بعد توقيع السادات معاهدة كامب ديفيد، بات صعباً لسورية أن تخوض حرباً تقليدية هجومية ضد العدو الصهيوني. 

 

فميزان القوى العسكري والتكنولوجي بين سورية وحدها والكيان الصهيوني المدعوم بأحدث أنواع التكنولوجيا الغربية، وبترسانة حربية ضخمة، وبإمداد مالي إمبريالي كبير، كان سيجعل أي هجوم سوري مباشر عبر جبهة الجولان غير مجدٍ عسكرياً، وكان من ينتقدون سورية اليوم لعدم إشعال جبهة الجولان سينتقدونها لأنها جرت على الأمة هزيمة 67 أخرى…  كما لا يزالون يفعلون مع القائد القومي جمال عبد الناصر، متجاهلين أيضاً دوره في انتصار ثورة الجزائر وتفجير العمل الفدائي عبر قطاع غزة في الخمسينات وكل إنجازاته الأخرى.

 

ولهذا تم رفع شعار “التوازن الإستراتيجي” في تلك المرحلة، لأن خوض حرب هجومية بدون توازن إستراتيجي كان سيكون ضرباً من الرعونة.   كذلك باتت المعادلة الإقليمية أن الحرب التقليدية ليست ممكنة بدون مصر، ولا السلام ممكناً بلا سورية، ولهذا لم تنجر سورية للسلام، أو سمه الاستسلام، كما انجر غيرها، حتى عندما انجر له غيرها، وعندما قدمت اتفاقية أوسلو ذريعةً لذلك، وعندما تدهور ميزان القوى أكثر مع انهيار الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية، فساعدت سورية بذلك على إبقاء ملف الصراع مع العدو الصهيوني مفتوحاً، وفتحت بالتالي مجالاً أكبر لقوى المقاومة لكي تمارس دورها في الصراع.

 

لكن القول: إن الهجوم المباشر التقليدي، بالدبابات والمشاة والطائرات مثلاً، على جبهة الجولان، صار خياراً أكثر تعقيداً، لا يعني أبداً أن الصراع العسكري المباشر ما بين سورية والعدو الصهيوني توقف في غير الجولان.  ونذكر هنا معركة الطائرات الكبرى أبان العدوان على لبنان عام 1982، التي أكدت عدم إمكانية خوض مواجهة تقليدية آنذاك.  أما القوات السورية في لبنان، فخاضت معارك بطولية ضد العدو الصهيوني، من مطار بيروت إلى المصنع على الحدود اللبنانية-السورية، مع تحفظي على تعبير “حدود” بين الدول العربية، خاصة ضمن بلاد الشام، وهي المعارك التي حمت دمشق، ومهدت لانطلاق المقاومة الوطنية اللبنانية.

 

كما أن القول: إن فتح معركة عسكرية تقليدية مباشرة بات إشكالياً من الناحية الاستراتيجية لا يعني أن سورية لم تفتح جبهات غير تقليدية ضد العدو الصهيوني.  فسورية، الدولة المركزية في بلاد الشام، استطاعت أن تفتح أبواب الجحيم على العدو الصهيوني على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية، حيثما وجدت قوى لبنانية وفلسطينية مؤهله لحمل مشروع من هذا النوع. 

 

وقد استغلت سورية، عن وجه حق قومي، موقعها الجغرافي-السياسي في بلاد الشام، وقوانين الت

 

برنال ليفي مع أشاوس الثورة الليبية !؟

برنال ليفي مع أشاوس الثورة الليبية !؟

جزئة العربية نفسها، في آنٍ معاً، لدعم المقاومة ضد العدو الصهيوني ومساندتها.  فلو أطلقت طلقة عبر الجولان مثلاً، وكان النظام السوري مسؤولاً عنها، فإن ذلك كان سيعطي الكيان الصهيوني الذريعة لخوض حرب تقليدية غير متكافئة ضد سورية، أما في ظل التجزئة القطرية التي فرضها الاستعمار نفسه، فإن العملية الفلسطينية أو اللبنانية ضد العدو الصهيوني التي تجري من خارج الحدود السورية، وكلها سوريانا في النهاية، لا يمكن تحميل مسؤوليتها بشكل مباشر للقيادة السورية، بغض النظر إذا كانت القيادة السورية تدعمها أم لا. 

 

وقد دفعت سورية ثمناً سياسياً واقتصادياً كبيراً، وتدفع الآن ثمناً دموياً، بسبب ذلك النهج، لكن لا يستطيع أي عاقل أن ينكر أنه طريقة سورية مبدعة في ضرب العدو الصهيوني في ظل ميزان قوى إقليمي ودولي رديء ظل يزداد رداءة، حتى صعود روسيا والصين من جديد، وتورط الولايات المتحدة في أوحال أفغانستان والعراق، ذلك التورط الذي أسهمت سورية فيه، بالتحديد في العراق، وفق ما أكد الأمريكيون. 

 

ولا يستطيع أن ينكر عاقل أن أسلوب حرب العصابات، لا المواجهة التقليدية المباشرة، الذي اتبعته المقاومة اللبنانية، بدعم مباشر من القيادة السورية، حرر الشريط الحدودي المحتل في جنوب لبنان عام 2000، وأسهم في صد العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006، فمقاتلو حزب الله لم تكن لهم قواعد ثابتة، ولم يكن يستطيع العدو الصهيوني رؤيتهم بالأقمار الصناعية ولا غيرها.

 

ويمكن أن يقول المرء الكثير حول الدولة القطرية واستحقاقات وجودها وبقائها كدولة قطرية، حتى لو كانت تتبنى توجهاً قومياً ومقاوماً، إذ لولا ذلك لأمكن ممارسة حرب العصابات ضد العدو الصهيوني من داخل سورية، ولكن ذلك يتطلب مسبقاً عدم وجود قواعد ثابتة يمكن ضربها، ويمكن أن نلاحظ هنا أن المقاومة ضد الأمريكان في العراق اشتعلت أكثر بكثير بعد الاحتلال، وعدم وجود قواعد ثابتة للدولة العراقية، لكن هذا ليس موضوعنا هنا، فهو يتطلب بحثاً أخر.

 

موضوعنا هنا هو:  ماذا الآن؟  فسورية تتعرض لهجمة لم يسبق لها مثيل يعلن القادة الصهاينة على الملأ تأييدهم لها، ولا يخفى دور أولئك الصهاينة والإمبرياليين فيها.  وهم يتساءلون:  ماذا بعد أن تحسن تسليح سورية بشكل ملموس، وأنظمتها الدفاعية والصاروخية والجوية؟  هل يمكن أن توجه سورية ضربة مباشرة للعدو الصهيوني رداً على عبثه بأمنها القومي؟

 

والجواب هنا: فلنتركهم يتساءلون.  ولنلاحظ أنهم لا يتساءلون إذا كان محمد مرسي سيهاجم الكيان الصهيوني… ولا راشد الغنوشي.   وأهم ما في ذلك التساؤل أنه يترك الكيان الصهيوني على أعصابه من مجرد وجود قوة سورية مستقلة قادرة على اتخاذ قرار مستقل في الحرب أو غيره.  وهذا بحد ذاته جواب على الأسئلة المخترقة حول حقيقة المواجهة بين سورية والعدو الصهيون 

عندما يلعب تلامذة هنري برنار ليفي بورقة الجولان…

 

د. إبراهيم علوش

23/7/2012

 

فليسمح لي الساسة والكتاب الوطنيون في سورية، وأنصارها العرب، وهم كثر بالمناسبة، أن أتناول مسألة قد تبدو بديهية بالنسبة لهم، ولكنها كثيراً ما تستخدم في الخطاب التحريضي ضد سورية في الشارع العربي، خاصة منذ بداية حركة الإرهاب والعصيان المسلح المدعومة من حلف الناتو وأذنابه، كما سبق أن أثبتنا عبر أكثر من وثيقة وتقرير غربي.

 

تلك المسألة هي مسألة الجولان.  إذ كثيراً ما تسمع من يرد علينا، عندما نشير أن سورية تحتضن المقاومات ونهج المقاومة، ولم تنجر كغيرها للتطبيع مع العدو الصهيوني وعقد المعاهدات معه – ذلك التطبيع وتلك المعاهدات التي اتخذت مشروعية انتخابية وإسلاموية بعد “الربيع العربي”- أن القيادة السورية، على ما زعموا، لم تطلق طلقة واحدة من الجولان عبر أربعين عاماً، وأن جبهة الجولان هي الأهدأ بين جبهات الصراع العربي-الصهيوني، الخ…

 

والغريب أن من يثير مثل تلك الدعاية المغرضة لا يسأل قط عن موقف من يسميهم البعض “ثواراً سوريين” من تحرير الجولان، حتى على المستوى السياسي، ولمّ يتجاهلونه في برامجهم، ولمَ لا يوجهون أسلحتهم تجاه العدو الصهيوني، إذا كانوا ضده لهذه الدرجة، بديلاً من توجيهها ضد أخوتهم السوريين (ومجندي جيش التحرير الفلسطيني)، ولمّ يعادون المقاومة اللبنانية التي هزمت العدو الصهيوني مرتين، ولمَ صرح صدر الدين البيانوني، المراقب العام السابق للإخوان المسلمين، أنه مستعد لعقد السلام مع “إسرائيل”، التي اعتبرها موجودة، ولمَ يمارس قادة “الثورة” السورية التطبيع العلني المفضوح مع اللوبي الصهيوني، ومع الإمبريالية الأمريكية والأوروبية، راعية الكيان الصهيوني وصانعته، ولمَ قبلوا بالصهيوني الكبير هنري برنار ليفي قائداً سياسياً ومرشداً روحياً لـ “ثوراتهم”؟!  ولمَ… ولمَ… ولمَ… ومن المؤكد أن القارئ اللبيب يستطيع أن يضيف عشرات الأسئلة/ الردود هنا.

 

بالرغم من ذلك، وبعيداً عن التشويه المغرض، والنفاق السياسي، والمواقف التي تنبعث منها رائحة البترودولار،  وبعيداً عن دور سورية الواضح في تبني نهج المقاومة، وعن دفعها أغلى الأثمان بسبب ذلك، لا بد أن نعترف أن كثيرين قد التبس عليهم الأمر فيما يتعلق بالجولان وفيما يتعلق بغيره، وأننا لنخطئ، بالأخص في هذه المرحلة، لو تجاهلنا تساؤلات من قد يتأثرون بالتضليل الإعلامي، فالتحريض والتشويه والفتنة أشد من القتل، والمقدمة الضرورية للقتل.

 

بدايةً ليس صحيحاً أن القيادة السورية لم تطلق طلقة واحدة من الجولان منذ أكثر من أربعين عاماً، وها هي حرب تشرين عام 73 – تلك الحرب التي يتم استهداف القيادات العسكرية والأمنية السورية التي اشرفت عليها اليوم بشكل مباشر لمصلحة العدو الصهيوني – تثبت بأن مثل هذا القول هو محض هراء. 

 

لكن الإجابة الحقيقية على مسألة جبهة الجولان تتطلب إلماماً بشيء من الجغرافيا السياسية، بالتحديد، إلماماً بميزان القوى الإقليمي في الوعاء الجغرافي الذي يضم سورية. 

 

فبعد دخول أنور السادات حقبة الصلح المنفرد مع العدو الصهيوني، وبعد خروج مصر من معادلة الصراع العربي الصهيوني بعد توقيع السادات معاهدة كامب ديفيد، بات صعباً لسورية أن تخوض حرباً تقليدية هجومية ضد العدو الصهيوني. 

 

فميزان القوى العسكري والتكنولوجي بين سورية وحدها والكيان الصهيوني المدعوم بأحدث أنواع التكنولوجيا الغربية، وبترسانة حربية ضخمة، وبإمداد مالي إمبريالي كبير، كان سيجعل أي هجوم سوري مباشر عبر جبهة الجولان غير مجدٍ عسكرياً، وكان من ينتقدون سورية اليوم لعدم إشعال جبهة الجولان سينتقدونها لأنها جرت على الأمة هزيمة 67 أخرى…  كما لا يزالون يفعلون مع القائد القومي جمال عبد الناصر، متجاهلين أيضاً دوره في انتصار ثورة الجزائر وتفجير العمل الفدائي عبر قطاع غزة في الخمسينات وكل إنجازاته الأخرى.

 

ولهذا تم رفع شعار “التوازن الإستراتيجي” في تلك المرحلة، لأن خوض حرب هجومية بدون توازن إستراتيجي كان سيكون ضرباً من الرعونة.   كذلك باتت المعادلة الإقليمية أن الحرب التقليدية ليست ممكنة بدون مصر، ولا السلام ممكناً بلا سورية، ولهذا لم تنجر سورية للسلام، أو سمه الاستسلام، كما انجر غيرها، حتى عندما انجر له غيرها، وعندما قدمت اتفاقية أوسلو ذريعةً لذلك، وعندما تدهور ميزان القوى أكثر مع انهيار الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية، فساعدت سورية بذلك على إبقاء ملف الصراع مع العدو الصهيوني مفتوحاً، وفتحت بالتالي مجالاً أكبر لقوى المقاومة لكي تمارس دورها في الصراع.

 

لكن القول: إن الهجوم المباشر التقليدي، بالدبابات والمشاة والطائرات مثلاً، على جبهة الجولان، صار خياراً أكثر تعقيداً، لا يعني أبداً أن الصراع العسكري المباشر ما بين سورية والعدو الصهيوني توقف في غير الجولان.  ونذكر هنا معركة الطائرات الكبرى أبان العدوان على لبنان عام 1982، التي أكدت عدم إمكانية خوض مواجهة تقليدية آنذاك.  أما القوات السورية في لبنان، فخاضت معارك بطولية ضد العدو الصهيوني، من مطار بيروت إلى المصنع على الحدود اللبنانية-السورية، مع تحفظي على تعبير “حدود” بين الدول العربية، خاصة ضمن بلاد الشام، وهي المعارك التي حمت دمشق، ومهدت لانطلاق المقاومة الوطنية اللبنانية.

 

كما أن القول: إن فتح معركة عسكرية تقليدية مباشرة بات إشكالياً من الناحية الاستراتيجية لا يعني أن سورية لم تفتح جبهات غير تقليدية ضد العدو الصهيوني.  فسورية، الدولة المركزية في بلاد الشام، استطاعت أن تفتح أبواب الجحيم على العدو الصهيوني على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية، حيثما وجدت قوى لبنانية وفلسطينية مؤهله لحمل مشروع من هذا النوع. 

 

وقد استغلت سورية، عن وجه حق قومي، موقعها الجغرافي-السياسي في بلاد الشام، وقوانين التجزئة العربية نفسها، في آنٍ معاً، لدعم المقاومة ضد العدو الصهيوني ومساندتها.  فلو أطلقت طلقة عبر الجولان مثلاً، وكان النظام السوري مسؤولاً عنها، فإن ذلك كان سيعطي الكيان الصهيوني الذريعة لخوض حرب تقليدية غير متكافئة ضد سورية، أما في ظل التجزئة القطرية التي فرضها الاستعمار نفسه، فإن العملية الفلسطينية أو اللبنانية ضد العدو الصهيوني التي تجري من خارج الحدود السورية، وكلها سوريانا في النهاية، لا يمكن تحميل مسؤوليتها بشكل مباشر للقيادة السورية، بغض النظر إذا كانت القيادة السورية تدعمها أم لا. 

 

وقد دفعت سورية ثمناً سياسياً واقتصادياً كبيراً، وتدفع الآن ثمناً دموياً، بسبب ذلك النهج، لكن لا يستطيع أي عاقل أن ينكر أنه طريقة سورية مبدعة في ضرب العدو الصهيوني في ظل ميزان قوى إقليمي ودولي رديء ظل يزداد رداءة، حتى صعود روسيا والصين من جديد، وتورط الولايات المتحدة في أوحال أفغانستان والعراق، ذلك التورط الذي أسهمت سورية فيه، بالتحديد في العراق، وفق ما أكد الأمريكيون. 

 

ولا يستطيع أن ينكر عاقل أن أسلوب حرب العصابات، لا المواجهة التقليدية المباشرة، الذي اتبعته المقاومة اللبنانية، بدعم مباشر من القيادة السورية، حرر الشريط الحدودي المحتل في جنوب لبنان عام 2000، وأسهم في صد العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006، فمقاتلو حزب الله لم تكن لهم قواعد ثابتة، ولم يكن يستطيع العدو الصهيوني رؤيتهم بالأقمار الصناعية ولا غيرها.

 

ويمكن أن يقول المرء الكثير حول الدولة القطرية واستحقاقات وجودها وبقائها كدولة قطرية، حتى لو كانت تتبنى توجهاً قومياً ومقاوماً، إذ لولا ذلك لأمكن ممارسة حرب العصابات ضد العدو الصهيوني من داخل سورية، ولكن ذلك يتطلب مسبقاً عدم وجود قواعد ثابتة يمكن ضربها، ويمكن أن نلاحظ هنا أن المقاومة ضد الأمريكان في العراق اشتعلت أكثر بكثير بعد الاحتلال، وعدم وجود قواعد ثابتة للدولة العراقية، لكن هذا ليس موضوعنا هنا، فهو يتطلب بحثاً أخر.

 

موضوعنا هنا هو:  ماذا الآن؟  فسورية تتعرض لهجمة لم يسبق لها مثيل يعلن القادة الصهاينة على الملأ تأييدهم لها، ولا يخفى دور أولئك الصهاينة والإمبرياليين فيها.  وهم يتساءلون:  ماذا بعد أن تحسن تسليح سورية بشكل ملموس، وأنظمتها الدفاعية والصاروخية والجوية؟  هل يمكن أن توجه سورية ضربة مباشرة للعدو الصهيوني رداً على عبثه بأمنها القومي؟

 

والجواب هنا: فلنتركهم يتساءلون.  ولنلاحظ أنهم لا يتساءلون إذا كان محمد مرسي سيهاجم الكيان الصهيوني… ولا راشد الغنوشي.   وأهم ما في ذلك التساؤل أنه يترك الكيان الصهيوني على أعصابه من مجرد وجود قوة سورية مستقلة قادرة على اتخاذ قرار مستقل في الحرب أو غيره.  وهذا بحد ذاته جواب على الأسئلة المخترقة حول حقيقة المواجهة بين سورية والعدو الصهيون

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..