الرجاء التوزيع على أوسع نطاق
بيان إدانة لمقتل الرئيس الليبي الشهيد معمر القذافي الذي أجهز عليه عملاء الناتو جريحا ومقاوما حتى آخر رمق وآخر نبضة قلب، بعد أن تعرض موكبه لقصف طائرات الناتو
ثمة أمران لم يعد يرقى إليهما الشك الآن: الأمر الأول، أن القذافي ومن معه قتلوا وهم يواجهون العدو الصائل من قوى حلف الناتو جواً وبراً، ونحمد الله ونشكره أن انعم على الأخ القائد العربي الشهيد معمر القذافي ونجله وصحبه بنعمة الشهادة. لقد وقف ورجاله وقفة مشرفة، فالميتة قادمة لا محالة لكن هيهات من يحظى بميتة شرف.
أما الأمر الثاني فهو أن “ثوار” الناتو قتلوا القذافي ومن معه بطريقة همجية، وهم جرحى وأسرى، ولو كان لدى “ثوار” الناتو ذرة أخلاق وشرف، لما قتلوا أسيرا جريحا. لكنها أخلاقهم، وقد كانوا ينفذون في ذلك تعليمات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، قبل الجريمة بيومين، حين حضت على النيل من القذافي حياً “والأفضل ميتاً”، حسب تصريحها.
إن مثل ذلك القتل الوحشي لأسرى جرحى ما كان ليحدث لولا استهداف موكبهم من قبل طائرات الناتو، فإثم هذه الجريمة النكراء في عنق كل من شارك فيها، جواً وبراً، وصولاً للقيادة العسكرية للناتو والقيادة السياسية للدول المشاركة في العدوان على ليبيا، من مجلس التعاون الخليجي لتركيا للإتحاد الأوروبي للولايات المتحدة الأمريكية. ولو جرى مثل هذا التمثيل بأسرى جرحى يهود أو غربيين لأشبعونا عويلاً ولطماً على “حقوق الإنسان” و”حكم القانون” و”القضاء العادل”، و لاتخذوا ذلك ذريعة لقصف شعوب برمتها وقتلها وذبحها.
إن ما جرى في ليبيا عدوان إمبريالي على الأمة العربية والعالم الإسلامي وأفريقيا والعالم الثالث، وهو عدوان على ليبيا الوطن والشعب قبل أن يكون موجهاً ضد القذافي ونظامه، وما جرى مع معمر القذافي هو نفسه ما جرى مع الشهيد صدام حسين، وعلى مشارف عيد الأضحى أيضاً، مع العلم أن القذافي كان من القادة القلائل الذين انتفضوا لاغتيال صدام. وفي الحالتين كان ما جرى انتهاكاً لسيادة دولة عربية واغتيالاً لرئيسها علناً في وضح النهار. والفتنة التي تطل برأسها في ليبيا اليوم لن تكون أقل خطورة من تلك التي فتكت بالعراق. واستهداف ليبيا لنفطها وموقعها ونزعتها الاستقلالية عبارة عن نسخة “برتقالية” لما جرى في العراق. فما حدث في ليبيا ليس ثورة شعبية بل انقلابا وتمردا عسكريا اعد له الناتو ونفذه عملاؤه في الداخل الليبي ولا علاقة للشعب الليبي به .. وستكون “الديموقراطية” الليبية نسخة من “الديموقراطية” العراقية بعد صدام حسين، فيها انتخابات شكلية ولكن على قاعدة التواجد الامبريالي المباشر وغير المباشر في وطننا.
وقس على ذلك بالنسبة للتدخل الأجنبي المباشر وغير المباشر في سوريا وغيرها والعقوبات والحصار والحملات الإعلامية، لأن ذلك كله يستهدف محو آثار حركة التحرر الوطني والمشروع القومي الذي أسس قواعدَ في بلادنا في الخمسينيات والستينيات، والتحالف غير المقدس بين الناتو والخليجي والإخوان المسلمين لإعادة تشكيل المنطقة هو في أحد جوانبه حرب الملكيات على الجمهوريات، وهو في نهاية المطاف مشروع العودة ببلادنا إلى ما قبل الاستقلال، ولكن على أرضية التبعية المغلفة ب”الشرعية الدستورية والديموقراطية” و”تداول السلطة”، وتفكيك الهوية الوطنية والقومية إلى شذرات تحت أقنعة الدفاع عن حقوق المواطن والأقليات والأقاليم.
ضمن هذا السياق نفهم جريمة اغتيال القذافي وابنه وصحبه، ومن الواضح أن قائد ثورة الفاتح من سبتمبر 1969 في ليبيا، الذي جاء لتلك البقعة العربية بأعلى مستوى معيشي في القارة الأفريقية، حسب مؤشرات التنمية البشرية، قد قضى على أيدي معتدي الناتو وعملائهم المحليين الخونة وهو يقاتل في سرت حتى اللحظة الأخيرة.
وكأن ذلك لم يكن بشعاً بما فيه الكفاية، فإن ما برز بشكلٍ أكثر قذارة كان الطريقة التي رحنا نسمع فيها أصوات التبرير لتلك الجريمة، وحتى الاحتفال بها، عبر الوطن العربي.
كيف يمكن أن يحدث مثل هذا؟ فعلاً؟ حتى لو كان هنالك قائدٌ لم يسهم ابدأً في النضال ضد الإمبريالية، ولم يطرد الأمريكيين أبداً من قاعدة هويليس الجوية الضخمة، ولم يجرِ أية إصلاحات شعبية، هل كان سيكون من المناسب أن يقبل المرء، ناهيك عن أن يحتفل، بإسقاطه من قبل الإمبرياليين الغزاة وقتله؟ ومع أننا لم نكن نوافق بالضرورة على بعض مواقف العقيد القذافي وطروحاته، قبل العدوان، بل كثيراً ما انتقدناها، فإن ذلك لا يمكن أن يدفعنا للانجراف خلف العدوان الشرس على ليبيا وللتماهي مع أعداء الأمة.
على العكس من ذلك، إن مجرد تبرير أو “تفهم” اغتيال معمر القذافي، في سياق العدوان الإمبريالي على ليبيا والأمة العربية، يصب في تبرير إعادة بلادنا لعهد الاستعمار، ويؤيد ضمناً أي عدوان أجنبي مستقبلي ضد أية دولة عربية أمام العالم بأسره – طالما تذكر الإمبرياليون أن يستحضروا معهم بضع شعارات حول “حقوق الإنسان” و”حماية السكان”…
وإذا كنا ننعى اليوم قائداً عربياً استشهد في القتال، ووعد أن يبقى في ليبيا، وأن يقاتل حتى النصر أو الاستشهاد، فوفى بوعده بدمه حتى صنع لنفسه عرشاً في تاريخ العرب، فإننا لا نحزن عليه، بل نرفع رأسنا ببطولته ونحزن على فقدان الوعي الذي سمح لكثيرين أن يحيوا ويصفقوا لعدوان تقوده الإمبريالية ضد منطقتنا ولاغتيال دموي تنفذه علناً ضد شخصياتنا العامة.
وليكن واضحاً أن قانون التاريخ لا يحمي المغفلين، وأن المرحلة مرحلة فرز مواقف وإعادة اصطفاف، ولن ينجو من الحساب من صفق لأعداء الأمة وتعاون معهم يوم يكون الحساب، فبذرة الوعي العربي الأصيل لن يمحوها التضليل الإعلامي ولا البترودولار، والفطرة العربية ستنجب بالضرورة رجالها ونساءها الممتلئين غضباً وثأراً على المتاجرين بالدين وشعارات “حقوق الإنسان”، وستعود لتزهر من جديد في موسم الشهداء، وقد ثبت اليوم، في ظل تحالف معظم الإسلاميين والليبراليين مع الناتو والخليجي، أن تيار القادة والشهداء القوميين، التيار القومي العربي الجذري بمختلف تلاوينه، هو الأمل الحقيقي للأمة العربية، والخطر الحقيقي على أعدائها، لأنه الوحيد الذي يحمل مشروعاً للمستقبل تمتد جذوره عميقاً في التراث، وأنه وحده المستهدف حقاً كخيار تاريخي للأمة، وأنه الوحيد الذي يملك البوصلة التي لا تميل ولا تفرط ولا تهادن أعداء الأمة.
ولكننا اليوم لا نملك رفاهية القنوط أو الإفراط في التأمل والتحليل، فالوقت هو وقت الصحوة والنهوض والاستعداد لمقاومة الهجمة الإمبريالية الضارية المتواصلة ضد الأمة العربية. فمن الواضح الآن أن انقضاض الإمبريالية على الأمة العربية سوف يستمر ويتصاعد بعد أن نجحت في غزو العراق وليبيا وتدميرهما، وتمكنت حتى من حشد التأييد لمثل ذلك العدوان. ولمن صفق لهذه الجريمة نقول: تشفوا اليوم بموت رجل لم يستسلم للناتو، ولو فعل لكنتم على غير هذه الحال، ولكان الإعلام الغربي سيسبح بحمده وعدله. ستصحون من غفلتكم ولكن بعد لأيٍ وكثير ندم وفوات أوان. وقد كان أخوتنا الأفارقة أكثر وعياً وإخلاصاً من بعضنا حينما أدركوا حقيقة أهداف الهجمة الاستعمارية على ليبيا ووقفوا معها، فلهم نمد أيدينا اليوم، ولأخوتنا الأمازيغ، ولكل أحرار العالم من أمريكا اللاتينية إلى جنوب شرق آسيا ممن أدانوا الهجمة الاستعمارية على ليبيا.
للشهيد القذافي الرحمة.. وللناتو وعملائه الخزي والعار!
تحيا ليبيا
تحيا العروبة
الموت للعملاء
اترك تعليقاً