صفقة الأسرى، توكل كرمان، مخطط اغتيال السفير السعودي، وسرت وبني وليد

الصورة الرمزية لـ ramahu



بوصلتنا:  تحليل موقف دوري للحدث السياسي

د. إبراهيم علوش

16/10/2011

من زاوية مصلحة الأمة العربية، تغطي “بوصلتنا” كل أسبوع أو أسبوعين، بإيجاز وبدون إنشاء، مجموعة من الأحداث البارزة كل مرة بغرض تعزيز وحدة الرؤيا والموقف بين أعضاء لائحة القومي العربي وأصدقائهم، ومن أجل تحديد نقاط الخلاف والتحاور حولها.   ونتشرف لو قدم القراء الكرام اقتراحات حول أية مواضيع لم يتم التطرق إليها وأية ملاحظات أخرى على الشكل أو المضمون.

1) صفقة الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين مقابل جلعاد شاليط:  ذكرت وسائل الإعلام في 12 و13 تشرين الأول 2011 أن صفقة قد تم التوصل إليها للإفراج عن الجندي الصهيوني جلعاد شاليط مقابل 1027 أسيراً في سجون الاحتلال الصهيوني.  ومن المؤكد أن الإفراج عن أي أسير في سجون الاحتلال هو أمر إيجابي، ولا يمكن إلا أن نفرح به، خاصة إذا جاء على خلفية مبادلته بأسرى صهاينة.  وبالتالي فإن الإفراج عن 1027 أسير هو إنجاز حقيقي بحد ذاته، وهو ثمرة صمود وتضحيات رهيبة دفعتها غزة التي كان يُحتجز فيها شاليط.  فما تمت مبادلته هنا ليس شاليط وحده، بل أن تحرير الأسرى هو ثمرة لعبة عض الأصابع بين غزة والكيان الصهيوني.  فهو إنجاز للمقاومة ولنهج المقاومة، وهذا أمر لا يمكن للقوميين الجذريين إلا أن يقفوا معه.

غير أن ذلك لا ينفي وجود سياق سياسي للحدث، وهذا السياق ذو بعدين: فلسطيني وإقليمي.

فهذه الصفقة تم عرضها على حماس من قبل ورفضتها.  والاحتجاجات على الصفقة أنها: أ – لا تضم أياً من القادة السياسيين الأساسيين في سجون الاحتلال، وعلى رأسهم أحمد السعدات، ب – لا تضم أياً من القادة العسكريين الأساسيين، لا من حماس ولا من غيرها، ج – تقتضي إبعاد مئات الأسرى المحررين خارج الضفة والقدس، بعيداً عن بيوتهم… وغيرها من الانتقادات.

الصفقة تأتي في وقت تعاني فيه جماعة الأخوان المسلمين من انكشاف علاقتها وتحالفها مع حلف الناتو من سوريا إلى ليبيا، وبالتالي فإنها تأتي لتقدم إنجازاً عملياً على الصعيد الفلسطيني، أي أنها سيتم استثمارها إقليمياً لتعزيز دور “الإخوان”.

كما أن الصفقة ترافقت مع الإعلان عن صفقة أخرى، في نفس اليوم، عقدها المجلس العسكري في مصر، المدعوم من الأخوان المسلمين، للإفراج عن إيلان غرابيل، الجاسوس “الإسرائيلي” المعتقل في مصر، مقابل 81 مصرياً في سجون العدو الصهيوني، فنحن نتحدث هنا عن “إسرائيليين” اثنين مقابل حوالي 1100 عربي.

وقد جاء الاتفاق على الصفقة الثانية برعاية أمريكية، من خلال وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا، لكن تزامن الصفقتين يوحي بأنهما كانتا صفقة واحدة في الواقع، برعاية أمريكية، ربما لإعادة تأهيل حماس، بعد تنازلها عن شروطها المشددة، التي كانت قد أعلنت عنها سابقاً مثل الإفراج عن القادة السياسيين والعسكريين في سجون الاحتلال.   كما أن الإفراج عن ألف أسير في سجون الاحتلال، من أصل سبعة آلاف، سوف يتم تسويقه أمريكياً كتنازل من نتنياهو عن شروطه المشددة للمعتدلين العرب المتحالفين مع الناتو. (ليبرمان، الرجل الثاني في الحكومة الصهيونية، صوت ضد الصفقة).

فلسطينياً، يفترض أن تعزز الصفقة من شعبية حماس بعد صعود مؤشرات التأييد لمحمود عباس على أجنحة الوهم الأجوف المسمى “استحقاق أيلول” (نحن الآن في تشرين الأول!!!!) والذي سبق أن حللناه في المادة التالية لمن يرغب:

http://freearabvoice.org/?p=1417

جماعة السلطة الفلسطينية، من ناحية أخرى، مرعوبون بأن ثمة صفقة سياسية مع حماس ربما تكون خلف صفقة الأسرى (لماذا شكر خالد مشعل قطر وتركيا في خطابه الذي أعلن عن صفقة الأسرى؟).  عموماً يجب أن نراقب التطورات على هذا الصعيد عن كثب، بدون القفز للاتهامات والاستنتاجات، لولا أن دور الإخوان في الإقليم، ورعاية المجلس العسكري للصفقة، لا يثيران الاطمئنان.  ونحن طبعاً غير معنيين بالسلطة الفلسطينية، بل باقتراب حماس ببطء من نهج لا يمكن أن يقود تبني مشروع “الدويلة الفلسطينية” إلا إليه.  والمراهنة في النهاية على تعنت العدو الصهيوني وصلفه واستعلائه.

أخيراً، نعيد التذكير بأن الإفراج عن الأسرى إنجاز حقيقي لا يمكن إلا أن نعتز به، ولكن بصفته إنجازاً للصمود ولنهج المقاومة، بغض النظر عن هوية من حقق ذلك الإنجاز.

2) حصول توكل كرمان على جائزة نوبل للسلام:  أعلنت لجنة جائزة نوبل النرويجية في 7/10/2011 منح الناشطة اليمنية توكل كرمان جائزة نوبل للسلام، بالاشتراك مع امرأتين غيرها من أفريقيا، باعتبارها “لعبت دوراً قيادياً في النضال من أجل حقوق المرأة، ومن أجل الديموقراطية والسلام في اليمن”.

وتكفي نظرة واحدة على قائمة أسماء بعض الفائزين بجائزة نوبل للسلام لمعرفة طبيعة التوجه السياسي لمانحيها، ومنهم السياسي الأمريكي المخضرم هنري كيسينجر عام 1973،  والمنشق السوفييتي أندريه زخاروف عام 1975، وأنور السادات ومناحيم بيغن عام 1978، ومؤسس حركة “تضامن” البولندية المناهضة للسوفييت ليخ فاليسا عام 1983، والكاهن الأكبر لديانة “المحرقة” اليهودية أيليا ويزل عام 1986، والمنشق الصيني الدايلي لاما عام 1989، ومقوض الاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف عام 1990، وموقعو اتفاقية أوسلو ياسر عرفات وشمعون بيريز وإسحق رابين عام 1994، وكوفي عنان عام 2001، والمعارِضة الإيرانية شيرين عبادي عام 2003، ورئيس هيئة الطاقة النووية الدولية محمد البرادعي عام 2005، وأخيراً باراك أوباما، رئيس الولايات المتحدة، عام 2009… قبل أن ينهي ولايته أو ينجز شيئاً، وربما كانت الأخيرة تعويضاً لأوباما عن تراجعاته أمام اللوبي اليهودي حول مطلبه بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية بالكامل… بالكامل!

إذن يتعلق الأمر هنا بجائزة مشبوهة بالضرورة يتم منحها برضا الحركة الصهيونية العالمية وموافقتها.  والعبرة الأساسية من منح الجائزة لتوكل كرمان، بالتالي، تصبح إلقاء الضوء على حقيقة ما يسمى “الربيع العربي”، خاصة من ناحية استبعاده للتناقض مع الإمبريالية والصهيونية من أجل التركيز على إعادة إنتاج التبعية للخارج “ديموقراطياً” و”دستوريا”.  لكن توكل كرمان بالذات يوجد لها فيديو على موقع يوتيوب تدافع فيه عن حقوق يهود اليمن، وحقهم في تسلم رئاسة الجمهورية وأي موقع في الدولة، وقد سبق إرساله للائحة القومي العربي بالبريد الالكتروني مع نص رسالتها لوزير الخارجية القطري حمد بن جاسم التي شكرته فيها على دور قطر في “مساندة نضالات الشعوب العربية المتطلعة للحرية”.  ومن المعروف طبعاً أن توكل كرمان أسست منظمة “صحفيات بلا قيود”، التي تتمتع بتمويل أجنبي وبدعم قوي ومعلن من السفارة الأمريكية في اليمن، حسب عدة تقارير على الإنترنت.

يبقى أن نذكر أن توكل كرمان عضوة مجلس شورى في حزب الإصلاح واجهة الإخوان المسلمين في اليمن، ومجلس الشورى هو أعلى هيئة قيادية في حركة الأخوان المسلمين، وبالتالي فإن اختيارها لنيل جائزة نوبل للسلام، من بين زملائها من نشطاء “الربيع العربي”، يأتي ليدلل على عمق التحالف الراهن مع “الإسلام المعتدل” الذي يسير في فلك مشروع “الإصلاح الأمريكي”، ومؤشراً على دوره المقبل في الإقليم.  أخيراً، يأتي اختيار توكل كرمان لترويج نموذج للشباب من المطلوب تعميمه عربياً إذا كان لا بد لهم أن يكونوا إسلاميين: منظمات تمويل أجنبي، دفاع عن اليهود وحقوقهم، تبني لمقولات الإصلاح “الديموقراطي” الأمريكي، الخ…  ومن الجدير بالذكر أن توكل كرمان حظيت في 12/10/2011 بلقاء المفكر المزعوم عزمي بشارة في مكتبه في قطر، فهل هناك “تشريف” أكبر من هذا!

3) المخطط المزعوم لاغتيال السفير السعودي في واشنطن:  زعمت وسائل الإعلام الأمريكية في 11/10/2011 أن مخططاً مزعوماً لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل جبير قد تم كشف تورط الإيرانيين فيه.  ومنذ تلك اللحظة، بدأت حملة إعلامية شعواء ضد إيران ترافقت مع حديث عن فرض عقوبات وتحويل القضية لمجلس الأمن.  وحيث أن حيثيات قصة الاغتيال المزعومة تظهر لكل لبيب أنها مفبركة ومفتعلة ولا تستحق مجرد الخوض فيها، فإن الأهم هو ما رشح بعدها عن: أ – احتمال نشوء حرب جديدة في الخليج العربي بين إيران والسعودية، ب – احتمال توجيه ضربة أمريكية أو “إسرائيلية” لإيران.

ويمكن تناول هذه القضية من زاويا مختلفة، لكن الزاوية التي تهمنا بالأخص هي زاوية مصلحة الأمة العربية.  ومن البديهي أن لإيران مطامع في الإقليم، وأنها تعاونت مع الولايات المتحدة على احتلال العراق وتدميره، لكن إيران في هذه اللحظة من الحلفاء القلائل لسوريا التي تتعرض لهجمة إمبريالية بأدوات داخلية وتركية وسعودية، ولذلك علينا أن نكون دقيقين وحذرين في عدم الانجراف وراء كل تهجم على إيران بغض النظر عن هوية المهاجم وأجندته، وهناك فرق كبير بالطبع بين وقوفنا بدون تردد مع المقاومة العراقية ضد الاحتلال المزدوج، وبين تجيير موقفنا لمصلحة الناتو وحلفائه في الصراع على الإقليم.  والمعركة الأساسية اليوم تجري في سوريا وعليها، ويجب أن يكون لهذا أولوية على ما عداه في صياغة موقفنا من المسألة.   وليس المطلوب طبعاً أن نصفق لإيران، بل أن لا ننجر، كما فعل بعض الأخوة القوميين، بتأييد موقف هو في محصلته ضد سوريا، بغض النظر عن موقفنا المبدئي ضد هيمنة تركيا أو إيران أو حلف الناتو.

وبرأينا أن فيلم أو مخطط “اغتيال السفير السعودي” بدأ قبلها بأسبوع، يوم 4/10/2011، مع الفيتو الروسي-الصيني المزدوج في مجلس الأمن ضد القرار الدولي الموجه لإدانة سوريا والتهيئة للتدخل الدولي العلني فيها.  وقد أدى ذلك، مع صمود سوريا في وجه المؤامرة، واحتواء نشاطات العصابات المسلحة، وإطلاق مسيرة الإصلاح، إلى إحباط آمال الناتو والخليجي بإسقاط النظام في المدى المنظور بالرغم من حزم العقوبات المتتالية ضد سوريا واستمرار الحملات الإعلامية عليها ومحاولات التخريب وزعزعة الاستقرار.

وعليه فإن هذا الفيلم الرديء، والتهديدات المشتقة منه، بعقوبات أو بهجوم، يستهدف كله مساومة إيران على تخفيف دعمها لسوريا، من أجل عزل سوريا وإسقاط نظامها وتفكيكها.  ولهذا فإننا في هذه الحالة بالذات لا يجوز أن ننجر هكذا وراء الهجمة الحالية على إيران لأنها ليست في مصلحة الأمة العربية، بغض النظر عن أي موقف من إيران، ومنه مؤخراً الترويج للعميل أحمد الجلبي في المؤتمرات.

ونضيف هنا أن إيران هي مرجعية روسيا والصين في المنطقة، وقد كان لموقف إيران السلبي من ليبيا دوراً في إضعاف موقف الصين وروسيا من ليبيا للأسف، ولا نريد لهذا أن يتكرر في سوريا.  وعلينا أن نراقب بدقة لأي درجة يتم التصعيد مع إيران، ولأي مدى يمكن أن تظهر استعداداً للمساومة على سوريا.

4) استمرار الصمود البطولي في سرت وبني وليد في ليبيا:  بعد أسابيع من الهجمات المتتالية، ما برح جرذان حلف الناتو عاجزين عن السيطرة على سرت وبني وليد بالرغم من آلاف الطلعات الجوية وعمليات القصف الوحشية من قبل حلف الناتو وعملائه.  وقد تواردت في 15/10/2011 أنباء عن عمليات عسكرية للمقاومة الليبية ضد الاحتلال وعملائه في حي بوسليم والهضبة الخضراء في طرابلس.   ولا بد لنا بهذه المناسبة أن نصر على الإشادة بالصمود الأسطوري للمقاومة الليبية في وجه حلف الناتو والخليجي وطيرانه وجرذانه، وهذا أضعف الإيمان.  والحقيقة أن الدفاع عن ليبيا في وجه مثل هذا العدوان هو مسؤولية الأمة العربية برمتها، تماماً كما أن الدفاع عن أي جزء عربي يتعرض للعدوان أو الاحتلال هو مسؤولية الأمة العربية برمتها.  ولأننا نفتقد لحركة قومية عربية منظمة ذات امتدادات شعبية تستطيع أن تضطلع بمثل هذه المهمة، فإن التطوع للقتال يصبح الطريق الوحيد المتاح للقادرين عليه من أجل الدفاع عن أي جزء من الوطن العربي يتعرض للخطر.

بقي أن نذكر أن موقفنا الذي اتخذناه في بداية الحراك في ليبيا بأنه مخترق ويتم تحريكه من الخارج هو الذي أثبتت الأحداث صحته للأسف في النهاية.  ولم يكن يسرنا أن نرى تدخلاً أجنبياً في بلادنا بمثل تلك الوقاحة، لكن هذا ما حدث، وبانت الأصابع الصهيونية والإمبريالية للقاصي والداني، ولكن بعد فوات الأوان.  ونذكر بأن الثوار المزعومين في ليبيا كانوا قد رفعوا شعار رفض التدخل الأجنبي في بداية حراكهم في بنغازي.  ونأمل أن يكون ذلك عبرة لمن يدعم “الثوار” المزعومين في سوريا أيضاً.

أخيراً، الانتهازيون وحدهم هم من يقفون مع نظام أو قوة أو شخص ما برح واقفاً.  أما نحن فنقف مع الموقف المبدئي، نقف مع الموقف القومي الجذري، منتصراً ومهزوماً.

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..