برقيات ويكيليكس: واشنطن تمول المعارضة السورية منذ عام 2006

الصورة الرمزية لـ ramahu

 

د. إبراهيم علوش – خاص لأسبوعية “الوحدة” الأردنية

 

14/7/2011

يقال أن الاعتراف سيد الأدلة.  فما بالك بمراسلات دبلوماسية سرية تم تبادلها بين موظفين في السفارة الأمريكية في دمشق وبين وزارة الخارجية الأمريكية في واشنطن تناقش برامج تمويل المعارضة وبرامج “تعزيز الديموقراطية” و”تقوية مؤسسات المجتمع المدني” داخل سورية وخارجها؟!

 

وقد كانت صحيفة “الواشنطن بوست” الأمريكية، وهي واحدة من أبرز اليوميات الأمريكية، قد نشرت عدداً من تلك المراسلات في 18/4/2011، في تقريرٍ لها بعنوان: “الولايات المتحدة دعمت سراً مجموعات معارِضة سورية”، نشرت وكالة رويترز وصحيفة “كريستشان سيانس مونيتور” وعددٌ من المواقع الإخبارية الأمريكية ملخصات عنه، أي عن تقرير “الواشنطن بوست”.

 

وقد عكفت على دراسة هذه البرقيات الدبلوماسية المسربة عبر الواشنطن بوست بعد أن أرسل الصديق محمد رياض مشكوراً ملفاً لما نشرته بعض أبرز وسائل الإعلام الأمريكية حول الموضوع عبر القائمة البريدية للائحة القومي العربي على الإنترنت في 1/7/2011، فوجدت أن كثيراً من أسماء العلم، مثلاً أسماء السوريين الذين حصل منهم موظفو السفارة الأمريكية في دمشق على المعلومات، قد تم حذفها، دون أن يغير هذا من وقائع وجود اتصالات وبرامج دعم مالي وتقني وتدريبي لمجموعات من المعارضة السورية داخل سوريا وخارجها. 

 

وإليكم مثالاً من البرقية التي تحمل تاريخ 21/2/2006، بعد تصريح الحكومة الأمريكية قبلها بأيام، أي في 17/2/2006، عن تقديم خمسة ملايين دولار للتعجيل بجهود الإصلاحيين السوريين: “اتصالاتنا قالوا أن الطريقة شديدة العلنية التي تم فيها إطلاق المبادرة قد تؤذي المعارضة.  س (تم محو الاسم) قال أن مثل هذه المبادرات التمويلية هي شيءٌ جيد، لكنها يجب أن تبقى سرية.  ونوه س أن المعارضة فقيرة، وأنه يجب أن تخلق آليات لتمويل نشاطاتها.  ولكن علينا أن نكون حذرين جداً، كما قال، لأن مثل هذه الأعمال إذا تم القيام بها بطريقة خاطئة فإنها سوف تؤذي المعارضة.  واستشهد س هنا بمثال أعمال رفيق الحريري الخيرية في لبنان في بداية التسعينات كوسيلة ذكية وإستراتيجية لفتح الباب للمزيد من النشاط السياسي.  وقال: عليكم أن تجدوا القناة الصحيحة لمساعدة الناس”.

 

وفي نهاية البرقية المذكورة أعلاه، يذكر كاتبها نقلاً عن أحد صلات السفارة: “س قدم مديحاً مقيداً للمبادرة، قائلاً أن س (يبدو أنه سين أخر – إ. ع) كان سعيداً بالتمويل، لكنه انتقد الطريقة العلنية التي تم تقديمه بها.  وقد نوه س أيضاً أن تعهد حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم 75 مليون دولار للمعارضة الإيرانية غطى إلى حدٍ بعيد على الخمسة ملايين المخصصة للجهود السورية، متسائلاً عن مدى التزام الولايات المتحدة بدعم قضية المعارضة السورية”!

 

ويمكن إيجاد النص الكامل لهذه البرقية على الرابط التالي:

 

http://www.washingtonpost.com/wp-srv/special/world/wikileaks-syria/cable6.html

 

وفي برقية أخرى مؤرخة بتاريخ 28/4/2009، يقول كاتبها أن جهود الإدارة الأمريكية لعزل القيادة السورية أضعف من قدرة السفارة الأمريكية في دمشق على الانخراط المباشر في برمجة المجتمع المدني في سورية.  ولذلك قام “مبادرة الشراكة الشرق أوسطية” و”مكتب العمل وحقوق الإنسان” (وكلاهما تابع لوزارة الخارجية الأمريكية، وقد لعبت برامج مبادرة الشراكة الشرق أوسطية دوراً كبيراً في تحريك الشارع العربي حسب رأي كتاب روس – إ. ع) بتحديد وتمويل برامج مجتمع مدني وحقوق إنسان في سورية من خلالهما.  ومع أن السفارة كانت تشارك بشكل مباشر في التخطيط لبعض هذه البرامج، خاصة مع مكتب حقوق الإنسان والعمل، فإن معظم البرمجة كانت تسير دون الانخراط المباشر للسفارة.  وقد مول مكتب حقوق الإنسان والعمل أربعة برامج أساسية خلال السنة المالية المنصرمة عبر منح مالية للجهات التالية:

 

1)    “بيت الحرية” فريدوم هاوس، لإقامة ورشات عمل متعددة لمجموعة مختارة من الناشطين السوريين حول ممارسة “التعبئة المدنية واللاعنف الإستراتيجي”،

2)    نقابة المحامين الأمريكيين، لإقامة مؤتمر في دمشق في تموز، والتواصل المستمر لتأسيس برامج تعليم قانونية في سوريا بالتعاون مع شركاء محليين،

3)    الجامعة الأمريكية في بيروت، للقيام بأبحاث حول القبائل والمجتمع المدني في سورية، ودعوة شيوخ من ست قبائل سورية إلى بيروت لإجراء مقابلات والقيام بتدريب،

4)     شبكة إنترنت “إنترنيوز”، التي نسقت مع المركز الإعلامي للنساء العربيات لدعم مخيمات تدريب إعلامي للشباب الجامعيين السوريين في عمان ودمشق.

 

وتضيف البرقية عن نشاط “مبادرة الشراكة الشرق أوسطية” في سوريا أنها تشرف، بالإضافة لعدد من المنح المالية المحلية الصغيرة، على ثمانية برامج متعلقة بسورية منذ عام 2005 ستكون قد تلقت 12 مليون دولار مع مجيء شهر أيلول 2010.  ومن ثم تقدم البرقية ملخصاً لهذه البرامج الثمانية.  فلنأخذ البرنامج الأول مثلاً، وتتم إدارته عبر “معهد أسبن للمبادرة الإستراتيجية”، وقد تلقى أكثر من مليوني دولار لإدارة برنامج سوري يمتد ما بين نهاية شهر كانون أول 2005 ونهاية عام 2009.  ونترجم حرفياً هنا: “هذا المعهد، ومقره في برلين، يعمل مع الناشطين المعنيين بالإصلاح داخل البلاد وخارجها، وقد رعى مؤتمرات في أماكن دولية جمعت معاً ممثلين من المنظمات غير الحكومية والإعلام ونشطاء حقوق الإنسان من الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة وس (الكلمة محذوفة)”.  وبما أننا نتحدث عن أماكن جغرافية أو عن بلدان، فما هي هذه الدولة أو المكان الجغرافي الذي طلبت الإدارة الأمريكية من صحيفة الواشنطن بوست أن تحذفه قبل نشر البرقية يا ترى؟  هل يمكن أن يكون الكيان الصهيوني مثلاً؟  لا بل، هل يمكن أن لا يكون الكيان الصهيوني؟!  هل نتحدث عن مؤتمرات حقوق إنسان وإصلاح تطبيعية مثلاً؟  سنترك الإجابة للقارئ اللبيب…

 

أما بعض البرامج الأخرى التي تقول البرقية أن “مبادرة الشراكة الشرق أوسطية” أشرفت عليها في سورية أو للسوريين فمنها مثلاً برامج تأسيس قنوات أو منابر إعلامية، وكيفية استخدام الإنترنت لنشاط المنظمات غير الحكومية، وكيفية القيام بحملات توعية سياسية في الشارع، وكيفية قياس الرأي العام وتوجهاته، وبرنامج لدعم الصحافيين “المستقلين”.  هل نربط هذه الأنواع من التدريب بما جرى مؤخراً في الشارع السوري والعربي؟  سنترك هذا أيضاً للقارئ اللبيب…

 

وتضيف البرقية نفسها، ونترجم حرفياً: “بالنسبة لبعض برامج مبادرة الشراكة الشرق أوسطية الأكثر حساسيةً في سوريا، فإن السفارة لا تطلع إلا بشكل محدود عليها، بسبب القيود غير القليلة التي تفرضها حكومة الجمهورية العربية السورية.  (كلام محذوف).  من خلال العمليات الوسيطة لحركة العدالة والبناء في سورية، وهي جماعة إسلامية معتدلة مقرها لندن، فإن مبادرة الشراكة الشرق أوسطية تحول المال عبر س.  وفهمنا هو أن المنحة المالية المخصصة لمجلس الديمقوقراطية سابق الذكر يذهب لحركة العدالة والبناء.  (كلام محذوف).  ثم (كلام محذوف)”.  وهو الأمر الذي تشير البرقية المسربة أنه يستفز حكومة الجمهورية العربية السورية، ويعقد توجه تحسين العلاقات معها التي تم إتباعه وقت كتابة البرقية عام 2009، ولذلك تقترح البرقية ممارسة الضغط رسمياً عبر العلاقة بين الحكومتين لخلق حيز للحراك المعارض في سورية كسياسة يمكن إتباعها في تلك الفترة، ومنها مثلاً رفع الحظر عن السوريين الممنوعين من السفر وتخفيف الرقابة على الإنترنت، والأهم، الحصول على موافقة حكومة الجمهورية العربية السورية لكي تعمل السفارة مع المجتمع المدني السوري بلا قيود!   

 

وفي النهاية تختتم البرقية بالدعوة التالية: “جاذبية الثقافة الأمريكية ما برحت محركاً قوياً للتغيير في سورية”.  فحكومة الجمهورية العربية السورية ردت على الدور الأمريكي المزعوم في الهجوم على البوكمال في 26/10/2008 بإغلاق المراكز الأساسية الثلاثة للثقافة الأمريكية في دمشق، ومنها المركز الثقافي الأمريكي.  لذلك علينا أن نرد بالمزيد من البرامج الثقافية، المزيد من المحاضرين، المزيد من تبادل الزوار للتعليم، وهي تبقى بعض أفضل أدواتنا لممارسة تأثير مباشر على المجتمع المدني.  ومن أجل هذه الغاية، على الزوار الأمريكيين المهمين القادمين لسورية أن يطلبوا وأن ينالوا الفرص لمخاطبة الجمهور مباشرة.

 

ويمكن إيجاد النص الكامل لهذه البرقية على هذا الرابط:

 

http://www.washingtonpost.com/wp-srv/special/world/wikileaks-syria/cable1.html

 

وفي برقية أخرى مؤرخة بتاريخ 23/9/2009، وهي برقية مليئة بالحذف، تبلغ السفارة في دمشق وزارة الخارجية في واشنطن: “خلال الأشهر الستة المنصرمة أبلغنا نشطاء حقوق الإنسان والمجتمع المدني الذين حقق معهم أمن حكومة الجمهورية العربية السورية أن المحققين يسألونهم بالتحديد حول علاقاتهم بالسفارة ووزارة الخارجية الأمريكية. س (الاسم محذوف) تم استجوابه حول نشاطات مجلس الديموقراطية التي تمولها مبادرة الشراكة الشرق أوسطية وحول زوار وزارة الخارجية لسوريا.  ملاحظة: ليس من الواضح إلى أي مدى تفهم أجهزة مخابرات حكومة الجمهورية العربية السورية كيف يدخل مال حكومة الولايات المتحدة إلى سورية، وعبر أية منظمات بالنيابة..  لكن الواضح هو أن ضباط المخابرات يركزون بشكل متزايد على هذه المسألة عندما يحققون مع نشطاء المجتمع المدني وحقوق الإنسان.  وقد بات رجال الأمن قادرين على صياغة أسئلتهم بطريقة تتضمن أسماء ومعلومات أكثر وأكثر تحديداً.  س (الاسم محذوف) يقترح بأن حكومة الجمهورية العربية السورية التقطت شيئاً ما حول عمليات مبادرة الشراكة الشرق أوسطية بالتحديد”. 

 

ويمكن إيجاد النص الكامل لهذه البرقية على الرابط التالي:

 

http://www.washingtonpost.com/wp-srv/special/world/wikileaks-syria/cable3.html

 

أخيراً، في برقية مؤرخة في 8/7/2009، ثمة تقرير عن الخلافات ضمن القوى المشاركة في إعلان دمشق، وعن تلكؤ حركة العدالة والبناء في الاتصال بحركة الإخوان المسلمين السوريين، بالرغم من مطالبتها بذلك، وهو ما دفع كاتب التقرير للشك بأن حركة العدالة والبناء ربما تكون مخترقة من المخابرات السورية، إذا لم يكن السبب تنافسياً، باعتبار قادة الحركة المذكورة خلفيتهم إخوانية أيضاً! 

 

ويمكن إيجاد نص البرقية الكامل على الرابط التالي:

 

http://www.washingtonpost.com/wp-srv/special/world/wikileaks-syria/cable4.html

 

وفي الختام نشير أن تقرير الواشنطن بوست تابع فضائية “بردى” السورية، التي تبث من لندن، وترتبط بحركة العدالة والبناء التي تلقت أكثر من ستة ملايين دولار منذ عام 2006 لإدارة المحطة والقيام بنشاطات أخرى داخل سورية.   وتقول الواشنطن بوست أن فكرة تأسيس فضائية مناهضة للأسد اقترحها مسؤولون أمريكيون عام 2007.   

 

ويضيف تقرير الواشنطن بوست أن مال الإدارة الأمريكية بدأ يتدفق لرموز من المعارضة السورية في عهد الرئيس السابق بوش الابن بعدما جمد العلاقات السياسية مع دمشق عام 2005، وأن هذا الدعم المالي استمر بالتدفق في ظل الرئيس أوباما حتى في خضم سعيه لإعادة بناء العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، والتي تكللت بتعيين سفير أمريكي في دمشق بعد ست سنوات.   لكن من غير الواضح حالياً، حسب الواشنطن بوست، إذا ما كانت الإدارة الأمريكية ما برحت تمول المعارضة السورية أم لا…  

 

وقد سعينا في هذا التقرير إلى التزام النقل بشكل محايد ما أمكن، دون إبداء الرأي بما ورد فيه، تاركين للقراء الكرام، وللكتاب الحريصين على مقاومة التدخل الأجنبي والتفكيك في بلادنا، أن يستخلصوا استنتاجاتهم بأنفسهم.

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

رد واحد على “برقيات ويكيليكس: واشنطن تمول المعارضة السورية منذ عام 2006”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..