الأردن: هل المطلوب تغيير الواجهات أم السياسات؟

الصورة الرمزية لـ ramahu

 

د. إبراهيم علوش

13/1/2011

 

لا شك أن جملة العوامل المؤدية للانفجار العفوي في تونس والجزائر تتوفر، بمقدار أكثر أو أقل، في كل الدول العربية تقريباً، ومنها الفقر والبطالة والفساد وتكميم الأفواه بوسائل مبدعة،  ولهاث المواطن وراء لقمة العيش الزئبقية، وانهيار منظومات الأمان الاجتماعي التقليدية والحديثة، في الوقت الذي تتراكم فيه ثروات بالمليارات لدى قلة مستفيدة من السياسات المتبعة!

ولا نكشف سراً لو قلنا أن الانفجار العفوي في تونس والجزائر ترددت أصداؤه في كل أنحاء الشارع العربي.  لذلك انطلقت الدعوات لإطلاق احتجاجات مماثلة في الأردن لتلك التي جرت في تونس والجزائر، وقد بدأت إرهاصات تلك التحركات بالفعل في الأقاليم، بعيداً عن العواصم المثقلة عموماً بكتلة اجتماعية صماء، من مئات الآلاف أو أكثر، حسب الدولة العربية، يجعلها وعيُها الفردي ونمط معيشتها الاستهلاكي الطامح لمحاكاة الثراء، ولو بالدين، بليدة سياسياً ومرعوبة من أي احتجاج حتى لتحقيق مصالحها، مما يجعلها عنصر “استقرار” بكل ما تحويه الكلمة من معانٍ سلبية.

من البديهي أن العواصم والمدن الأكبر حجماً هي مركز الثقل في التوزيع السكاني العربي، لأن أكثر من نصف السكان على الأقل يعيشون فيها، وهو قاسم مشترك أخر بين الدول العربية.  ومن البديهي أيضاً أن العواصم والمدن الكبرى تحتوي جيوباً كبيرة من الأحياء الشعبية أو الفقيرة التي لا تقل قابليةً للانفجار عن الأقاليم، وهو ما يفترض أن يجعلها مركز الثقل السياسي في أي تحرك حقيقي وجدي.  لكن القبضة الأمنية تكون عادةً أشد بكثير في العواصم والمدن الكبرى، بسبب وجود المفاصل الحساسة للدولة فيها.  كما أن التماسك الاجتماعي والعائلي في الأقاليم البعيدة يكون عادةً أقوى بكثير مما هو في المدن العربية المعولمة، ولو على “فاشوش”، فنحن لم ينلنا من العولمة إلا شرور “السوق الحرة” و”الانفتاح”، والتبعية الاقتصادية للخارج، والإفقار واتساع الهوة الطبقية بين شرائح المجتمع في الداخل وازدياد معدلات الجريمة والعنف والتوترات الداخلية والأمراض الاجتماعية.

أضف إلى ذلك أن القطاع الشعبي الأكثر تأثراً بسياسات العولمة والتبعية التي تتبناها الأنظمة العربية، خاصة المرتبطة بحكومة الولايات المتحدة، ليس عامةً قطاعاً منظماً في أطر حزبية أو نقابية كما كانت عليه الحال قبل عقود، ومن هنا فإن قانون حراكه السياسي هو العفوية أولاً، وارتباطه بلقمة الخبر المباشرة ثانياً، وعدم تأثره بحسابات القوى والشخصيات السياسية المعارضة ثالثاً. 

ومن هنا بات المواطن العادي هو الذي يقود الحراك السياسي، في الشارع، لأن حراك المواطن العادي لا يكون إلا في الشارع، وبات المعارضون العرب، أي بتنا نحن، من يحاول اللحاق به، وهذه نقطة علينا وضدنا، بمقدار ما يجب أن نقول أن الحراك العفوي نادراً ما يؤتي أكله بمعنى حل المشاكل التي سببت الاحتجاج العفوي في المقام الأول.

غير أن انخراط القوى والشخصيات المسييسة في الحراك العفوي لا يقوده إلى النجاح بالضرورة، بمعنى تغيير السياسات التي سببت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في المقام الأول، بل قد يسهم في إجهاضه إذا ما نجح في توجيهه نحو أهداف تنفيسية لا قيمة لها فعلياً.  وإذا أخذنا حالة الأردن بالتحديد، فإننا نلاحظ بعض الأصوات التي راحت ترفع شعار إسقاط حكومة سمير الرفاعي كهدفٍ للاحتجاج… وهي حكومة جاءت في نهاية عام 2009 فحسب!  وقد سبق أن سمعنا شعار “إسقاط الحكومة” على مر السنين خلال عهود الحكومات الأردنية السابقة التي لم يستمر بعضها في الحكم أكثر من بضعة أشهر.  فهل سيؤدي إسقاط حكومة الرفاعي إلى إيقاف مسيرة الخصخصة أو بيع القطاع العام للخارج أو تصاعد الديون العامة أو تفاقم الأزمة المعيشية بشكل عام؟  وهل تشكلت تلك الأزمة فقط خلال العام الماضي؟  وهل يملك الرفاعي القدرة على تغيير النهج الاقتصادي والسياسي للدولة بشكل جذري؟!!

إن تغيير حكومة الرفاعي، أو تغيير أي حكومة عربية، سهلٌ جداً ويمكن أن يتم بجرة قلم، ولا يعني شيئاً أصلاً، لأن الوزراء في بلادنا لا يحددون سياسات وإستراتيجيات كبرى، بل هم مجرد إداريين مهمتهم تنفيذ ما حدده غيرهم، وأن يلعبوا عند الضرورة دور “مانعة صواعق”.   ومن يقنع الناس في احتجاجهم أن تغيير وزير أو وزارة هو الحل للأزمة العامة، وليس تغيير النهج والسياسات الاقتصادية والخارجية بالتحديد، فإنه ينفس التحرك ب”القوة الناعمة” بغض النظر عن حسن نواياه، ويقدم هديةً سياسية قيمة للقائمين على النهج والسياسات التي سببت الأزمة، ويشكل بحد ذاته عامل “استقرار” أخر بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ سلبية، ولن نثير هنا ظاهرة الداعين لإسقاط الحكومات المتتابعة قصيرة العمر لأنهم مستوزرون أو لأنهم ما هو أقل بكثير من مستوزرين، لذا سنبقى في إطار حسن النوايا ومناقشة التقديرات  السياسي فحسب.

فإذا افترضنا أننا نريد احتجاجات شعبية حقيقية تؤدي على الأقل إلى كبح جماح مسيرة التفريط بالثروات العامة والحقوق الوطنية، والتجاوز على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن، والتغول على الحقوق السياسية، وإيقاف مسيرة التطبيع مع العدو الصهيوني والتبعية للولايات المتحدة الأمريكية – لأننا لا نستطيع “فك ارتباط” السياسات الداخلية عن الخارجية وكلها يخدم شريحة واحدة – فإن الاحتجاج يجب أن ينصب على خيارات الدولة وتوجهاتها التي لا تتغير بتغير رؤساء الحكومات أو النواب أو باقي الموظفين.  يجب أن ينصب الاحتجاج على القوانين المؤقتة، على العلاقات المشبوهة بين الشركات الكبرى في القطاع الخاص وكبار المسؤولين، على صفقات بيع القطاع العام للشركات الأجنبية، على القانون الضريبي الجائر، على الفساد في المشاريع العامة، على العلاقات مع العدو الصهيوني والتبعية للولايات المتحدة، وعلى القائمة الطويلة التي يعرفها كل مواطن…  وليس على تغيير الواجهات.

أخيراً، من يطالب بتغيير الوجوه لا السياسات، سيحصل فقط على إجراءات ترقيعية مثل تلك التي تبنتها الحكومة لتسكين الشارع يوم 12/1/2011، مع أنها جاءت متأخرة وأقل بكثير مما يجب.  العبرة هي أن المشكلة، والحل، في الجذور لا العوارض…

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..