هيئة الدفاع عن الثوابت أم عن التعايش؟!

الصورة الرمزية لـ ramahu

د. إبراهيم علوش

السبيل16/9/2010


هيئة الدفاع عن الثوابت، التي أعلن عنها في بيروت في شتاء عام 2010، والتي تحول اسمها فيما بعد إلى “الهيئة الوطنية للدفاع عن حقوق شعب فلسطين الثابتة”، هي هيئة محسوبة فلسطينياً على خط المقاومة ومعسكرها، ولو أن بيانها الأساسي (بيان فلسطين)، المنشور على موقع الهيئة على الإنترنت، مخترق سياسياً بفقرة كاملة تدعو للتعايش بين العرب وغير العرب والمسلمين والمسيحيين واليهود في فلسطين (البند 6)!  وهو نفسه نهج “الدولة الديموقراطية” الذي أودى بمنظمة التحرير إلى الهاوية، وهو يُقدم هذه المرة دون إدانة واضحة للمشاركة في المؤسسات “الإسرائيلية”، من كنيست وغيره، مما يترك الباب مفتوحاً ل”إصلاح الاحتلال” من داخله، بالتعاون مع “اليهود التقدميين” طبعاً…

وبينما يشار في “بيان فلسطين” نفسه أن شعب فلسطين شعب عربي، لا يشار أبداً أن أرض فلسطين عربية، وهو نفسه نهج عروبة بعض السكان بدلاً من عروبة الأرض الذي تم تكريسه في دستور العراق المحتل من قبل اليهودي نوح فيلدمان، والذي يسير السودان باتجاهه، وغير السودان… فهذا نتاج عقلية معولمة أو متأسرلة تماماً، ومتجردة من الحس القومي والحضاري تماماً، إلا على سبيل المناورة السياسية.  ومن المستغرب أن تتسلل مثل هذه الفقرات المشبوهة من بين أصابع أساتذة كبار في التحليل السياسي نجلهم ونحترمهم، خاصة أن البند الأول من الميثاق الوطني الفلسطيني غير المعدل ينص على أن فلسطين عربية، فلا ثوابت بدون التمسك بعروبة فلسطين (وليس فقط عروبة شعب العراق أو شعب فلسطين).

دونما حاجة للدخول في استعراض الأسماء، يوجد بين مؤسسي هيئة الدفاع عن الثوابت أو عن الحقوق الثابتة، عددٌ ممن سبق أن تورط قولاً وكتابةً وموقفاً بتسويغ التعايش مع المستعمرين اليهود في فلسطين، سواء تحت شعار الدولة الواحدة أو الدولتين، أو عبر المشاركة في النظام السياسي “الإسرائيلي”… فأنى لمثل هؤلاء أن ينصبوا أنفسهم أوصياء وقيمين على فصائل المقاومة؟!  وإذا افترضنا أنهم غيروا مواقفهم، وتابوا، فأين نجد نقدهم الذاتي لمواقفهم السابقة؟!

وعلى كل حال، لا يبدو على الإطلاق أنهم قد هجروا نهجهم، بل تظهر لمساتهم بجلاء في بعض بيانات الهيئة ومراسلاتها، ومنها مؤخراً رسالة الدعوة التي وصلت بعض الشخصيات العربية من “هيئة الدفاع عن الحقوق الثابتة” للقاء التشاوري العربي بشأن فلسطين الذي سيعقد في بيروت في 23 و24 أيلول 2010، كما جاء في الرسالة، التي قالت أيضاً أن الهيئة “تؤكد على الحقوق الوطنية الثابتة، ومنها حق العودة وحق تقرير المصير”… لا إشارة لمشروع التحرير طبعاً!  أما الحديث عن “حق تقرير المصير” فيتعلق بتأسيس دولة، وهو الأمر الذي لا يخرج عن استبدال هدف التحرير بهدف “الدولة الفلسطينية” الذي كرسته قيادة حركة فتح. فما بالك إذا أضيف لحق تقرير المصير، مطلب التعويض عن مآسي التشريد والاحتلال، المنصوص عليه في البيان الأول لمؤسسي الهيئة؟!  فما رأيكم بأربعين إلى خمسين مليار دولار كما اقترح وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط؟!

المهم، متى بدأ التخلي عن مشروع التحرير لمصلحة مشروع الدولة؟  لقد بدأ ذلك، رسمياً وعلناً على الأقل، منذ برنامج النقاط العشر في المجلس الوطني الفلسطيني عام 74، بتبنى فكرة تأسيس “سلطة وطنية” على أي جزء من فلسطين يتم تحريره… وهذا قبل أوسلو بعشرين عاماً على الأقل. لكن رسالة الهيئة تتحدث عن “مخاطر محدقة بالحقوق الوطنية الفلسطينية الثابتة والناجمة عن استمرار نهج التسوية منذ اتفاقيات أوسلو”، فهل نفهم من ذلك الموافقة على نهج التسوية قبل اتفاقيات أوسلو؟  وهل الإدانة لمبدأ التسوية والاعتراف أم لشكل محدد منها فحسب؟!  وهل الهيئة ضد المفاوضات المباشرة الجارية حالياً فحسب مثلاً كما يمكن أن يفهم المرء من رسالتها تحت عنوان “ظروف عقد اللقاء”؟!

رسالة الدعوة نفسها تذكر أن الهيئة “تمثل حالياً المنظمة الوحدوية الوحيدة التي يجتمع فيها على الثوابت نفسها مستقلون وأعضاء ومؤيدون لحركتي فتح وحماس وغيرها”.  فأي ثوابت بالضبط يؤيدها أعضاء حركة فتح ومؤيدوها؟ عروبة كامل فلسطين، رفض التعايش مع المستعمرين اليهود في فلسطين، أم أن تحرير فلسطين لا يتم إلا بالكفاح المسلح، وهي الثوابت التي نص عليها الميثاق الوطني الفلسطيني بجلاء؟




Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..