عبد الحميد الثاني: متى نقرأ التاريخ بالعقل

الصورة الرمزية لـ ramahu


2010/05/09

د. فدوى نصيرات

نحن عند كتابة التاريخ لا نتعامل بالعواطف ولا ندع للتعصب طريقاً إلينا؛ إذ لا بد أن نقرأ الحدث بطريقة موضوعية.

فحين كتابة التاريخ ” الحديث والمعاصر ” تحديداً نحن نتعامل مع أنواع متعددة من المصادر منها الوثائق الأجنبية والعربية وسجلات المحاكم الشرعية وسجلات الطابو، والصحف والمجلات، والمؤلفات المعاصرة للحدث، وأخيراً المذكرات الشخصية. والمؤرخ عندما يدون المعلومة لا ينسب لنفسه إلا التعليق أو الرأي الخاص به.

هذا ومن الواجب على المؤرخ أن ينوع في المصادر وفي وجهات النظر، وأن يدقق في المعلومة ويرجع بها إلى مصادرها الأصيلة، وواجب عليه أن يقارن ما بين وجهات النظر وبين ما حدث على أرض الواقع وذلك ليرى أيهما أقرب للصحة أما عن قراءة باطن الحدث فهذا يتطلب من المؤرخ الدقة في ربط المعلومات بعضها مع بعض، وتفسيرها بناء على معطيات أساسية أمامه وأهم ما في الأمر الابتعاد عن تقديس النص التاريخي خاصة المستمد منها من المذكرات أو الوثائق الشخصية إذ تعتبر من أضعف المصادر التاريخية.

ونحن حينما دونّا المعلومات الخاصة بموقف السلطان عبد الحميد الثاني من فلسطين لم نوجه اتهاماً مباشراً للسلطان ببيع فلسطين، إنما دونّا أهم نقاط الضعف في سياسته تجاه المسألة الفلسطينية ؛ فهو بإصداره ” الفرمانات الجزئية ” لصالح اليهود، والتي أذن لهم بمقتضاها بشراء مساحات من الأرض الفلسطينية، وقد استغل اليهود كعادتهم هذه الفرمانات وأقاموا عدة مستعمرات أشرفت عليها أجهزتهم المالية والفنية لتمويل الهجرة اليهودية إليها وتأسيس المستعمرات واستصلاح أراضيها واستغلالها اقتصادياً. وليس في إمكان المؤرخ الموضوعي أن يجد تفسيراً أو تبريراً لموافقة السلطان على إصدار هذه الفرمانات بالقول إنه تعرض لضغوط الدول الأوروبية. ألم يقو على الوقوف في وجهها ؟!

كما لا يمكن القول بأن السلطان عبد الحميد لم يكن يتوقع أن موافقته على بيع أراض محدودة في فلسطين لليهود تكون بداية لتهويد فلسطين، فإن مثل هذا التفسير يعد تجريداً للسلطان عن صفات السياسي المحنك بعيد النظر، وقد أجمع جمهرة من المؤرخين على أنه كان على حظ موفور من هذه الصفات. وإذا افترضنا عدم توفّر النيّة بالفعل، فإنّنا نحكم بأن هناك خطأ في معالجة الأمر أو تساهلاً سواء كان مقصوداً او غير مقصود. وبوصفي باحثاً يقيّم الحدث يمكنني أن أحكم على النتيجة وليس على النوايا.

ولنا الآن أن نطرح الأسئلة التالية ونترك الإجابة عليها للتحليل العقلاني المنطقي:

– وفقاً لإرادته السنية (التي أشرنا إليها): ألم يكن من الجدير به أن يمنع أي احتكاك للصهاينة بأرض فلسطين؟

– كيف تمكّن الصهاينة من تأسيس هذا العدد (36) مستعمرة في فترة حكم السلطان هذا ويجدر بنا أن نلفت نظر القارئ إلى أن فلسطين إدارياً كانت مرتبطة بالأستانة مباشرة؟

– لماذا تجاهل السلطان كل هذه العرائض والشكاوى التي رفعت إليه من أهالي فلسطين مطالبين فيها بوقف الهجرة وبيع الأراضي، ومنها ما جاء من نواب فلسطين في ” مجلس المبعوثان العثماني”؟

– الصدامات التي وقعت بين الأهالي والمستوطنين الصهاينة، ألم يكن السلطان على علم بها خاصة وأنه تمت الإشارة إليها بأهم الصحف العربية؟

– وأخيراً نسأل إنْ كان للسلطان فعلاً موقف حاسم من طلبات الحركة الصهيونية لماذا قابل هرتزل ثلاث مرات؟

– بغض النظر عن نسبة الأراضي التي بيعت وأعداد اليهود التي هاجرت، ألم يشكل هؤلاء البذرة الأولى التي زرعت في أرض فلسطين لتملكها فيما بعد؟

نقول هل بقراءة التاريخ وإثارة الأسئلة حول قضية ما في ذلك محاولة لتغيير وجه التاريخ؟

لماذا لا نقول إنها محاولة للفت نظر القارئ إلى وقائع تاريخية ” غائبة عنه ” ونترك الحكم له الآن. مجرد التفكير بامتلاك الحقيقة هذا أكبر عيب يمكن لباحث أن يتصف به. 0

* جامعة فيلادلفيا

============ ========= =====

للمزيد حول بدعة حماية عبد الحميد لفلسطين، اذهب للروابط التالية:

http://freearabvoic e. org/?p=358

http://www. freearabvoice. org/arabi/maqalat/ elE7telalAl3othm anyWal7aneenElaA lta’7lof.

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..