د. إبراهيم علوش
السبيل، 22/4/2010
ليس مطلوباً منا أن نقدم حلولاً سياسية للصراع العربي-الصهيوني. فعرض الحلول السياسية، مهما كانت شروطها وبنودها، يفترض ضمناً وفوراً الرغبة بالتفاهم والتعايش، وهذا مستهجن مبدئياً. فنحن لم نخلق المشكلة كي نضع لها حلولاً. وكما يقول المثل الشعبي: “اللي طلع الحمار على المئذنة ينزله”! والغرب واللوبي اليهودي الذي أتى باليهود إلى فلسطين هو الذي يجب أن يحل مشكلتهم (قبل التحرير) إذا كان يحرص عليهم فعلاً. ولا يهمنا أين وكيف، فتلك ليست مشكلتنا أصلاً!
مشكلتنا هي يهود فلسطين. فنحن لم نحاربهم عندما أتونا مسالمين في القرون الماضية. أما اليوم، فليس مطلوباً منا قط أن نثبت أي حسن نوايا تجاه من أتونا غزاة، ففقدوا بذلك حق التواجد في فلسطين إلى أجل غير مسمى، ولنا أن نستند في ذلك لتراث العهدة العمرية لو شئتم.
إن كل يهودي يدب اليوم على أرض فلسطين هو جزءٌ موضوعيٌ من المشروع الصهيوني، وبالتالي فإن مجرد وجوده مشكلة. ودعونا لا نغرس رؤوسنا في الرمال: اليهودي الذي يدعم المشروع الاستيطاني الإحلالي من خارج فلسطين هو جزءٌ من نفس المشكلة التي لا تعالج بحل سياسي، بل ببرنامج سياسي.
يشخص البرنامج السياسي المشكلة ويحدد سياقها، ويرسم هدفنا الإستراتيجي وطريقة الوصول إليه، والبرنامج السياسي الوحيد الذي كان موضع إجماع عربي وفلسطيني خلال كل العقود الماضية هو الميثاق الوطني الفلسطيني (غير المعدل). وليكن واضحاً أن الميثاق لا يدعو لما يسميه البعض “دولة ديموقراطية علمانية” في فلسطين، فذلك جاء لاحقاً في سياق اندفاع حركة فتح وم.ت.ف لتعاطي مشاريع التعايش بديلاً عن برنامج التحرير الكامل. وهذا تحدي لمن يزعمون أن الميثاق يدعو ل”دولة ديموقراطية علمانية” أن يخرجوا لنا منه بنداً واحداً يدعو لمثل تلك الدولة التي يروجون لها.
على العكس، يقول الميثاق أن فلسطين عربية من البحر إلى النهر، وأنها لا تحرر إلا بالكفاح الشعبي المسلح من داخل فلسطين وخارجها، و– هذا الأهم – أن كل يهودي جاءها بعد بدء الغزو الصهيوني لا يعتبر فلسطينياً (البند السادس). ومن المعروف أن اليهود بدأوا بالتوافد كموجات كبرى على خلفية الغزو الصهيوني منذ عام 1882… فالميثاق قال “منذ بدء الغزو الصهيوني”، ولم يقل منذ تأسيس “إسرائيل” رسمياً عام 48 مثلاً، وتلك جمالية الميثاق بحد ذاتها.
إذن التعامل مع الغزو الاستيطاني الإحلالي يكون ببرنامج سياسي من نقطة واحدة: إرحل! أو سمه “ترانسفير معاكس” لو شئت، وليكن ذلك “برنامجاً مرحلياً”، لمن أدمنوا “النهج المرحلي”، على الأقل حفظاً لماء وجوههم إزاء برودة قرارات الترانسفير التي يواجه بها العدو مشاريعنا للتعايش، إن لم يكن من أجل المبدأ…
من يطرحون “الدولة الواحدة”، “الديموقراطية العلمانية”، “لكافة مواطنيها” ، أو “ثنائية القومية”، وإلى ما هنالك من ترهات قاسمها المشترك الرغبة بالحل السياسي والتعايش، كأنهم لا يقرأون الواقع من حولهم أبداً وكيف يزداد العدو تشدداً واندفاعاً لتهويد الأرض؟!!
لكن الرسميين العرب في قمة سرت، وبعض القوى القومية سابقاً في فلسطين المحتلة عام 48 ممن بات يروج لمقولة “الدولة الواحدة”، لا يشرحون لنا كيف سيقنعون الحركة الصهيونية العالمية بالتعايش على أساس دولة واحدة وهي ترفض التعايش أصلاً على أساس سقف أدنى منها بكثير هو حل “الدولتين”؟! فلماذا تبيعون بضاعتكم بهذا الرخص، وأية “واقعية” واقعيتكم؟!
ومن يزعمون من مروجي “الدولة الواحدة” أنهم قوميون نسألهم: هل فلسطين عربية أم لا؟! وأية مبدئية مبدئيتكم؟!
أما من ينادي بدولة واحدة خوفاً من سيطرة “قوى التطرف الإسلامي” على “الدويلة الفلسطينية” في ظل حل “الدولتين” فنقول له: إن تفريطكم بعروبة فلسطين بمثل هذه البساطة يدفع الناس أيضاً باتجاه “التطرف”. وهذا القومي العربي يقول لكم ها هنا أن المنهج الوحيد الصحيح في التعامل مع يهود فلسطين هو المنهج النبوي في التعامل مع بنو النضير وبنو قريظة وبنو قينقاع.
اترك تعليقاً