بيان الرباعية يلقي طوق النجاة لمحمود عباس

الصورة الرمزية لـ ramahu

د. إبراهيم علوش

السبيل، 25/3/2010

 هناك من يحاول جعل إدانة اللجنة الرباعية في موسكو للاستيطان “الإسرائيلي” فتحاً عظيماً.

لكن مراجعة سريعة لبعض بيانات اللجنة الرباعية ولسجلها خلال السنوات السابقة تظهر بأن الرباعية دأبت على دعوة “إسرائيل” لوقف النشاط الاستيطاني، دون أن يؤدي ذلك لوقف الاستيطان، أو حتى لاعتبار وقفه شرطاً لاستئناف المفاوضات (المباشرة أو غير المباشرة).

وكانت اللجنة الرباعية الدولية قد تأسست عام 2002، واقترحت “خريطة الطريق” عبر خطاب لجورج بوش في 24/6/2002.  وقد تم الإفراج عن تفاصيل “خريطة الطريق” في 30/4/2003، بعيد استكمال احتلال العراق.  وسبق ذلك تعيين محمود عباس رئيساً للوزراء في 19/3/2003 بالتزامن مع غزو العراق ليكون مسؤولاً عن ملف “خريطة الطريق” عن الجانب الفلسطيني.  وتتألف الخطة من ثلاث مراحل تبدأ ب”إصلاح” السلطة الفلسطينية، وإيقاف “العنف الفلسطيني”، مقابل انسحاب “إسرائيلي” من مناطق السلطة الفلسطينية، ووقف الاستيطان، على أن تنتهي المراحل الثلاثة بإنشاء “دولة فلسطينية” بعد عامين من تاريخه في 2005، مع العلم أن الدولة المقصودة يفترض حسب المرحلة الثانية من “الخريطة” أن تكون ذات حدود مؤقتة، مقابل عودة وتيرة التطبيع العربي-“الإسرائيلي” إلى مجراها السابق للانتفاضة الثانية…

وقد أرفقت الحكومة الصهيونية أربعة عشر تحفظاً ب”خريطة الطريق” أقرت بها الإدارة الأمريكية.  لكن شارون أوقف العمل ب”خريطة الطريق” رسمياً في 12/5/2003 لاشتمالها على شرطٍ لإيقاف الاستيطان، وهو ما كان يرفضه… أما السلطة الفلسطينية فقد جهدت لوقف “العنف الفلسطيني” و”التحريض”، وطبقت كل التوصيات الأوروبية والأمريكية والصهيونية المطلوبة منها لتحقيق “الإصلاح”، خاصة منذ ترؤس عباس للسلطة الفلسطينية.   بالرغم من كل ذلك، لم يتوقف الاستيطان الصهيوني يوماً! كما أن السلطة الفلسطينية والأنظمة الراعية ل”مبادرة السلام العربية” ظلت تتعامل مع “خريطة الطريق” كمرجعية لما يسمى “عملية السلام”.

وفي 14/4/2004، قدم بوش رسالة ضماناته الشهيرة إلى أرييل شارون التي تتضمن توضيحين أساسيين ل”خريطة الطريق” أولهما أن عودة اللاجئين الفلسطينيين تكون للدولة الفلسطينية، وليس ل”إسرائيل”، وثانيهما أن الوقائع الجديدة على الأرض، المتمثلة بالمراكز السكانية “الإسرائيلية” الرئيسية في الضفة الغربية، لن تكون جزءاً من أية “دولة فلسطينية” تتمخض عنها مفاوضات الحل النهائي.

ومع هذا، عُقد مؤتمر شرم الشيخ في 8/2/2005 للسلطة الفلسطينية والأردن ومصر والكيان الصهيوني وجدد تمسكه ب”خريطة الطريق”!  وبعد إصابة شارون بالجلطة عام 2006، وتولي أيهود أولمرت رئاسة الوزارة رسمياً في 4/5/2006، وتم الإعلان في 4/6/2006 عن لقاءات بين أولمرت وعباس لاستئناف المحادثات حول “خريطة الطريق”، واستمرت تلك اللقاءات سنوات، فيما تواصل الاستيطان!

وخلال ذلك كانت بيانات اللجنة الرباعية تؤكد دوماً على وقف الاستيطان.  ومنها مثلاً البيان المنشور على موقع وزارة الخارجية “الإسرائيلية” في 30/12/2006 الذي يدعو لوقف توسيع المستوطنات، وغيره كثير.  وفي البيان الصادر عن الرباعية في 1/7/2009 جاء مثلاً “أن الأعمال المنفردة التي تتخذ من جانب أي من الطرفين، لا يمكن أن تقرر سلفًا نتيجة المفاوضات، ولن يعترف بها المجتمع الدولي، وحثت الرباعية حكومة إسرائيل على تجميد كل النشاط الاستيطاني، بما فيه النمو الطبيعي، وعلى تفكيك وإزالة المستوطنات غير الشرعية المتقدمة التي أنشئت بعد مارس 2001م، وتجنب الأعمال والتدابير الاستفزازية في القدس الشرقية، بما في ذلك إخلاء المنازل وهدمها”. 

وكان نتنياهو في حزيران 2009 قد أعاد تأكيد قبوله بخريطة الطريق بشرط عدم وقف الاستيطان. 

فما الجديد ببيان موسكو بالضبط؟

الجديد هو فقط التخريجة أو الإدانة الدولية التي تتيح للسلطة الفلسطينية العودة للمفاوضات غير المباشرة مع شيء من ماء الوجه، بدون وقف الاستيطان. 

لذا كتبت صحيفة الواشنطن بوست المقربة من الإدارة الأمريكية في تقرير عن بيان الرباعية في 19/3/2010: “من غير المتوقع أن يتحدى الفلسطينيون الضغط الدولي المتصاعد لاستئناف محادثات السلام، كما قال مسؤولون فلسطينيون بشرط عدم الكشف عن هويتهم لأن عباس لم يتخذ قراراً نهائياً بعد”!

 

تغطية الصحف الأمريكية الرئيسية لأحداث القدس الأخيرة:

انحياز ثابت ل”إسرائيل”، بلهجة “موضوعية”!

د. إبراهيم علوش

العرب اليوم، 23/3/2010 

قالت يومية النيويورك تايمز الأمريكية المعروفة في تقرير لها من القدس في 17/3/2010 بعنوان “إسرائيل تعترض على مطالب الولايات المتحدة حول البناء”: “تعمق الشقاق بين الولايات المتحدة وإسرائيل يوم الثلاثاء بسبب نشاط البناء اليهودي في القدس الشرقية، فيما قال مسؤولون إسرائيليون بأنهم سوف يرفضون مطالب واشنطن، معبرين عن غضبهم من التوبيخ العلني لرئيس الوزراء نتنياهو من قبل إدارة أوباما”.

وهذه الفقرة عينة إعلامية صغيرة، ناعمة الملمس، محايدة في المظهر، لكنها تؤسس بثبات ودراية لغوية لاجتذاب القارئ الغربي للموقف “الإسرائيلي”. 

وما سنستعرضه هنا ليس المضمون السياسي، بل الخطاب الإعلامي، وكيف يبدو موضوعياً وتقريرياً بالشكل فحسب.  فالعنوان: “إسرائيل تعترض على مطالب…” يوحي أن “إسرائيل” هي التي يُطلب منها، وأن الذي يطلب هو حكومة قوة عظمى هي الولايات المتحدة، وأن المطلوب هو منع اليهود من البناء في القدس.  ويجب أن يُقرأ هذا من وجهة نظر القارئ الغربي الذي لا يفهم لماذا يجب أن يُمنع اليهود من البناء (العنوان لا يحدد أين)، فهل في الأمر عنصرية مثلاً أم ماذا؟!  وفي الفقرة الأولى نفهم أن نتنياهو تعرض للتوبيخ العلني.. العلني.. من قبل إدارة أوباما (فهل هذا لائق بين أصدقاء وحلفاء؟)، من أجل  مطالب غير مفهومة فعلياً!!!  وهي مطالب فحسب.. لا تجاوزات “إسرائيلية” مثلاً، حتى لو اتُخذ مرجعاً القانون الدولي غير العادل الذي يعتبر القدس الشرقية محتلة… وفلسطين كلها محتلة طبعاً.

وفي الفقرة الأخيرة من التقرير نفسه، نجد الفقرة التالية: “الخلاف الحالي يرجع صدى خلافٍ أخر من العام الماضي.  فقد طالبت إدارة أوباما بوقف كامل للاستيطان في الضفة الغربية، فيما قال الإسرائيليون بأن ذلك مستحيل ويمثل خيانة للاتفاقات المعقودة بين واشنطن والقدس.  وفي النهاية، قبل الأمريكيون وقفاً جزئياً، مدته عشرة أشهر، للنشاط الاستيطاني يستثني القدس الشرقية.  وكان ذلك تنازلاً من الجهتين”.

إذن إدارة أوباما تتراجع عن اتفاق عقدته مع الحكومة الصهيونية التي سبق أن تنازلت، فلماذا “تطالب” الآن بالمزيد بعدما قبلت باستثناء القدس الشرقية من الاتفاق؟!  ألا يكفي اليهود ما عانوه من ويلات “المحرقة” و”لا سامية” هذا العالم لكي تطالبهم إدارة أوباما الآن بعدم البناء في القدس؟!!! ولاحظ بالأخص أن الاتفاق عُقد بين واشنطن و…… “القدس”، يعني ليس تل أبيب.  وهو ما يكرس القدس عاصمةً لدولة “إسرائيل”، فلماذا تمنع “إسرائيل” من البناء في عاصمتها؟! 

وفي متن التقرير نجد عزفاً على الوتر نفسه في المقتطف التالي من ليبرمان، وزير خارجية دولة العدو: “إنهم يطالبون أن يُمنع اليهود من البناء في القدس الشرقية، كما قال أفيغادور ليبرمان وزير الخارجية لراديو إسرائيل.  لكننا لا نستطيع أن نمنع اليهود فقط من البناء في قطاع محدد من المدينة.  هل لكم أن تتخيلوا لو قالوا لليهود في نيويورك بأنهم لا يستطيعون البناء أو الشراء في منطقة كوينز؟”

كوينز هي إحدى مقاطعات مدينة نيويورك الخمسة بالطبع، والتقرير لا يذكر شيئاً عن منع الفلسطينيين من البناء أو شراء المنازل، أو حتى من التجوال في أرضهم المحتلة… لكن رابطاً لتقرير أخر في نفس الصحيفة يشير بأن منازل الفلسطينيين التي يريد رئيس بلدية القدس نير بركات هدمها في ضاحية البستان في سلوان من ضواحي القدس الشرقية تم بناؤها بدون تراخيص منذ عشرين عاماً وأكثر، ولا يذكر شيء عن مدى صعوبة الحصول على تراخيص بناء للفلسطينيين.

 أما صحيفة الواشنطن بوست المقربة من الإدارة الأمريكية، فقد نشرت تقريراً في 19/3/2020 بعنوان “دفع باتجاه محادثات شرق أوسطية بالرغم من خفقة القدس” نلاحظ بشكلٍ عام أنه أقل انحيازاً من تقرير النيويورك تايمز أعلاه، لكن ذلك لا يعني أنه غير متحيز، بل يقدم الموقف السياسي بشكل أكثر دهاءً.  لاحظ مثلاً كيف يعتبر العنوان ما جرى في القدس مجرد “خفقة” أو “رفرفة” لباب عملية السلام.  فقد كتبت الواشنطن في تقريرها تعليقاً على ضغط الرباعية للعودة لمحادثات السلام بالرغم مما حدث في القدس: “لم يعلق متحدثٌ باسم نتنياهو على بيان الرباعية، لكنه قال أن نتنياهو اقترح سلسلة من إجراءات بناء الثقة في محادثته الخميس مع كلينتون يمكن أن تعيد المحادثات إلى مجراها”.

وهنا يضيف تقرير الواشنطن بوست: “من غير المرجح أن يمنع الفلسطينيون ذلك من الحدوث…”.  إذن الكرة في ملعب المفاوض الفلسطيني الذي يفترض فيه الآن أن يتجاوز هذه الخفقة وأن لا يعيق عودة المفاوضات، خاصة أنه يذكر من يهمه الأمر في الجملة التالية: “محمود عباس قبل الدخول في مفاوضات غير مباشرة، قبل خفقة القدس الحالية، دون الإصرار على تجميد الاستيطان”.

وفي فقرة لاحقة نجد نقلاً عن مصادر رسمية فلسطينية لم يصرح عنها: “من غير المتوقع أن يتحدى الفلسطينيون الضغط الدولي المتصاعد لاستئناف محادثات السلام، كما قال مسؤولون فلسطينيون بشرط عدم الكشف عن هويتهم لأن عباس لم يتخذ قراراً نهائياً بعد”.

وفي نهاية تقرير الواشنطن بوست نجد أن الغارة الجوية “الإسرائيلية” على مطار غزة المتوقف عن العمل حالياً جاء رداً على تصاعد الهجمات الصاروخية من قطاع غزة مما أدى لمقتل عامل تايلندي مسكين.  أما في القدس، فقد قام الفلسطينيون “بإلقاء الحجارة على قوات الأمن الإسرائيلية، وبإشعال الحرائق ببراميل القمامة وعجلات السيارات، وبحرق العلم الإسرائيلي”.  بالمقابل، يوحي التقرير بأن القوات “الإسرائيلية” كان ردها حليماً وغير متسم بالقسوة حين يقول: “ردت القوات الإسرائيلية بالغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية، لكن لم يتم التبليغ عن إصابات خطيرة”، وعدم وجود إصابات خطيرة بين الفلسطينيين، حسب التقرير، هو المهم خاصة أن احتجاجات الفلسطينيين كانت عنيفة، إذ يقول التقرير هنا: “اندلعت احتجاجات عنيفة عدة مرات الأسبوع الماضي في القدس الشرقية، حيث السكان غاضبون بسبب خطط لأبنية يهودية جديدة وبسبب إشاعات غير مدعمة بالأدلة بأن متطرفين يهود يتآمرون للسيطرة على مزار في القدس القديمة، يعتبره المسلمون واليهود مقدساً”.  إذن هذه حالة هلوسة جماعية، مبنية على إشاعات غير مدعمة بالأدلة، حول مكان مقدس للطرفين… للطرفين، وليس لطرف واحد… ويستخدم التقرير في متنه تعبير “القدس الشرقية المتنازع عليها” بالمناسبة..  

أما صحيفة الوول ستريت جوررنال فقد ركزت في تقريرٍ لها في 17/3/2010 على نفس الفكرة وهي أن المقدسيين تجاوبوا مع مطلب حمساوي للمشاركة في “يوم غضب” بسبب ما تزعمه حماس – وتنفيه “إسرائيل” – بأنه مؤامرة لتدمير المسجد الأقصى.  هنا نعود إلى نمط التغطية الأكثر انحيازاً، خاصة بعد سيطرة روبرت ميردوخ الصهيوني التوجه (الذي اشترى حصة من شركة روتانا مؤخراً) على صحيفة الوول ستريت جورنال.  فالتحرك من أجل الأقصى، حسب الصحيفة، جاء تلبية لدعوة من حماس، وبناءً على مزاعم حماس فحسب بوجود مؤامرة غير مدعمة بالأدلة على الأقصى.  ولهذا “ألقى محتجون فلسطينيون قنابل المولوتوف والحجارة، وحرقوا الإطارات، وأغلقوا الشوارع”. 

أما البعد الآخر في تقرير الوول ستريت جورنال، فقد جاء في العنوان: “نزاع الشرق الأوسط يصيب شوارع القدس… فلسطينيون يتصادمون مع الشرطة في “يوم غضب”، فيما يضغط المشرعون الأمريكيون على البيت الأبيض لكي يغير لهجته”.  يغير لهجته حول ماذا؟  حول نتنياهو والحكومة “الإسرائيلية” طبعاً.  وهذا العنوان نجد بعض تفاصيله في السطور الأولى: “اشتعل النزاع أيضاً في واشنطن، فيما ضغط أعضاء جمهوريون وديموقراطيون في مجلس النواب الأمريكي على إدارة أوباما لتخفف من نقدها لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو بسبب خطتها لبناء 1600 منزل في المنطقة المتنازع عليها”.  فلننس “متنازع عليها” لحظة.  التحيز هنا يبلغ أقصى مداه لمصلحة الحكومة الصهيونية ومن أجل الضغط على أوباما ليتنازل لنتنياهو.  ولكن أليس تغلغل اللوبي اليهودي في الإعلام الأمريكي، ناهيك عن مجلس النواب والشيوخ الأمريكيين وغيره، هو أحد أهم الأوراق التي يراهن عليها نتنياهو ليدفع إدارة أوباما للتماشي مع السقف الأعلى “الإسرائيلي”؟

وتضيف الوول ستريت جورنال نقلاً عن النائب الجمهوري أريك كانتور أن الإدارة الحالية تحاول تغيير سياسة أمريكا في “الشرق الأوسط”، واقتطفت قوله: “إن إدارة جورج دبليو بوش كانت قد اعترفت بأن أحياء معينة في القدس الشرقية المتنازع عليها، ومنها موقع البناء المقترح، قد أصبحت أجزاء أساسية من الدولة اليهودية، وأكد كانتور أن الولايات المتحدة لا يجوز أن تضغط على السيد نتنياهو ليعيد هذه المناطق كجزء من عملية السلام”!

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..