عن الهبّة الأردنية
لم يكن من قبيل الصدفة أن غالبية مقالاتنا, في العام المنصرم خاصة, كانت تتناول تداخلات التسويات المتداولة للقضية الفلسطينية وارتباطاتها مع ما جرى تاريخيا في الأردن وما يجري الآن, واستشراف انعكاسات تلك التسويات والمجريات على الأردن “مستقبلا ” بما يمس مصيره كدولة ووطن لا أقل.. بل كان لأننا شعرنا بضرورة بحث الكثير مما كان يمور تحت السطح مما لا يسمح لأحد بالاقتراب منه, وهو بمجمله ما تفجر في الأيام الأخيرة وأصبح حديث الساعة الأول بامتياز.
وهذا يؤكد أن المستقبل الذي كنا نحاول استشرافه لم يكن على عتبات أبوابنا فقط, بل إن الكثير منه كان قد تسلل إلينا مسكوتا عنه كما ألمحنا .
ولكن, وبما يؤشر على أكثر من خلل مفصلي في سياسات حكوماتنا أورثها هشاشة مريعة, فإن ما فجر الموضوع تفجيرا يشبه السيل الذي جرف الكثير من التابوهات التي كانت الحكومات تنذر أو تشرع في معاقبة من يقترب منها, هو إشهار منظمة هيومن رايتس ووتش لتقريرها الذي يتناول “جزئية” واحدة من سياسات حكوماتنا المتعاقبة, تتمثل في قيامها بسحب جنسية بضعة آلاف من الأردنيين من أصول فلسطينية.
وبعد امتناع الحكومة, الممتد لأكثر من عام, عن الرد على أسئلة منظمة هيومن رايتس ووتش المتعلقة بشكاوى سحب جنسية تلقتها, كما تلقاها أيضا المركز الوطني لحقوق الإنسان (الرسمي) أو ردها بمجرد النفي الذي لا يصمد أمام الحقائق المثبتة, أو اختراع تسميات تجميلية بديلة لإجراءاتها لا علاقة لها بالتسميات القانونية الموحدة محليا ودوليا. فإن وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الدكتور نبيل الشريف طالب الأردنيين “بهبّة” لحماية الأردن.
ولأن ما يجري هو شأن حقوقي قانوني ودستوري يتعلق بحقوق فئة من المواطنين وليس مواجهة مع عدو خارجي, فإن الهروب من بحث الأمر في إطاره الأصل بالاستقواء بفئة من الأردنيين على أخرى أمر غير حصيف فيما يتعلق بالوحدة الوطنية التي يلوح بها في وجه كل من يجرؤ على بحث هذه الحقوق.
ولكن غياب الحصافة هنا يطال مصالح الحكومة التي جيء بإعلامي مخضرم كالدكتور نبيل بهدف الدفاع عنها, وتحديدا عند استعماله لكلمة “الهبّة”. فالكلمة هي الرديف الأردني لكلمة “انتفاضة”. وقد دخلت “الهبّة” القاموس السياسي الأردني أول مرة في توصيف أحداث عام 1974 التي سميت “هبّة السكّر” وهي أحداث يراوح تصنيفها -وتحديدا لأن بحثها اعتبر تابو آخر- بين اعتبارها تمردا عسكريا أو اعتبارها احتجاجا على ظروف معيشية تفاقمت نتيجة الفساد.
وأعيد استعمال الكلمة في توصيف الحراك الشعبي الذي بدأ في الجنوب وانتشر سريعا بحيث كاد يعم المملكة, في أبريل/نيسان عام 1989. إذ يشار إلى تلك الأحداث شعبيا “بهبّة نيسان” وإن غلبت تسمية “انتفاضة نيسان” لشيوع التسمية حينها بعيد الانتفاضة الأولى في الضفة. ولكن الجهات الرسمية بالمقابل ظلت تشير لما جرى بـ”أحداث الجنوب” أو “أحداث نيسان 89” بالذات لتحاشي تسميات “الهبّة” أو “الانتفاضة”.
اترك تعليقاً