التطبيع مع العدو الإسرائيلي

الصورة الرمزية لـ ramahu

                                                              

زياد منى

 قلناها من قبل، وقالها قبلنا كثر من العاملين في الفضاء الوطني: كل من أراد في الماضي الصعود سياسيًّا تَبَنّى فلسطين القضية، والآن، في هذا العصر الصهيوني المهيمن على ساحة العمل السياسي العربي الرسمي، انقلبت الآية فصار من يريد التسلق “وليس الصعود” سياسيًّا يعمل ليلاً ونهارًا على طلب رضاء “إسرائيل” وتقديم “فروض (أو آيات، إن أردتم) الطاعة والولاء” لها، عبر الاعتراف الصريح وإقامة أوثق علاقات “الصداقة والأخوة” معها.

 تمامًا كما يفعل نظام عَمّان علنًا، ويفعله غيره سرًّ أو على نحو شبه سرّي، من استقبال لممثلي “إسائيل”،  والسماح لرعاياه بزيارة فلسطين المحتلة بهدف السياحة، أو السكوت عن زيارات يقوم بها بـ”الغلط طبعًا”، صحفيون مزعومون، أو حجاج.. إلخ، والقائمة تطول.

كلنا يعلم أن كل اعتراف رسمي تحظى به “إسرائيل” من الأنظمة العربية، رغم خطورته على قضية العرب الأولى، تبقى قيمته الحقيقية دنيا لأن هدفها الأساس اختراق الوعي العربي ووجدان أمتنا بما يضمن تخليها عن فلسطين إلى الأبد.

 لذا نراها، ومعها حلفاءه العرب وفي مقدمتهم جماعة “سلطة المقاطعة” يحاولون ما أمكنهم استحضار مسوغات التطبيع، ولكن تحت مصطلحات ذرائعية ومسميات غبية لئيمة لأنها تحاول التذاكي على البشر منها على سبيل المثال “كسر الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني..”.

لقد رأينا في الماضي كيف استخدمت الشعارات الهزلية والتضليلية مثل “حل الدولتين” و”الاتصال بالقوى اليهودية المعادية للصهيونية” مقدمة للاعتراف باغتصاب الصهاينة فلسطين مقابل وعود بوعود بوعود بوعود… إلخ.

لقد استغلت تلك الشعارات الغوغائية والتضليلية عذابات شعبنا الذي ما كاد يخرج من مذبحة حتى قادته قياداته القاصرة إلى أخرى، كحصان طروادة لإدخال العدو حتى إلى مخادعنا. والآن، ورغم ثبات إخفاق كل البرامج وفشلها في الحصول على أي مكسب وطني لشعبنا (ما تحقق بتلك الاتفاقيات المذلة ليس سوى مكاسب مادية لشريحة صغيرة من أجهزة السلطة المتعاونة مع إدارة العدو وفي مقدمتها استخباراته)، تجري محاولة استمالة وجدان أمتنا العربية ومشاعرها وأحاسيسها الوطنية والإنسانية الطبيعية عبر محاولة إجبارنا على الجلوس في حضن العدو، بهذه الذريعة الجديدة القديمة “التضامن مع الشعب الفلسطيني..”، (لقد دخلتم قفص العدو طوعًا، لا إكراه ولا بطيخ)!!.

القاصي والداني صار يعلم، وإن متأخرًا بكل أسف أن التضامن مع الشعب الفلسطيني شيء والتضامن مع جماعة سلطة المقاطعة في رام الله شيء مختلف تمام الاختلاف، وأن الجالسين هناك في مجمع المكاتب ذاك، لا يحق لهم الحديث باسم الشعب الفلسطيني ولا النيابة عنه. ثم إن الشعب الفلسطيني ليس فقط سكان “الضفة والقطاع” وإنما كل الشعب في أمكنة وجوده جميعها، وما أبعدهم عنه.

بعد مرور أكثر من ربع قرن على الاتفاقيات التي شرعنت “عربيًّا” اغتصاب فلسطين، لكن من دون أن تحقق أي مكسب وطني لفلسطين وأهلها، حتى من منظور من كان متحمسًا لها، يلاحظ المرء أن الأخيرين وبدلاً من الاعتراف بما ارتكبوه من خطايا بحق فلسطين القضية والشعب، والتراجع وإخلاء ساحة العمل لجيل جديد مناضل غير مثقل بماضيهم المخزي، يمارسون سياسة الهروب إلى الأمام وتصعيد وقح في الدعوة للتطبيع مع العدو تحت المسميات والشعارات الكاذبة ذاتها “كسر الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني”، بينما الهدف الحقيقي “كسر إرادة الممانعة ومقاومة العدو”.

لقد قرر بعض الصغار الذين اتخذوا من عشق العدو العدواني العنصري مذهبًا لهم يجاهرون به، بسبب كراهية الذات العربية وكراهية الذات الإسلامية أو المسيحية أو بسبب عقدة النقص التي يشعرون بها تجاه الرجل الأبيض “الأوروبي المتفوق” و”اليهودي الغربي المنتصر المولود من العدم” أو بسبب انعدام أي معايير إنسانية وطنية أو قومية لديهم، أو بحثًا عن “اعتراف” أوروبي بإنتاجاتهم الكتابية الرديئة.

ومن هؤلاء مثلاً كاتب ألماني من أصل عراقي اسمه نجم والي يفخر بزيارة فلسطين المحتلة ويدافع عنها في مقالة نشرتها صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 16/4/2009 ونشر صوره أمام مبنى الكنيست. ولا ننسى طبعًا اللاهث وراء الكائنات الفضائية، يفتخر بصداقاته مع العدو من دون أي خجل أو وازع الصحفي المصري أنيس منصور الذي صرح لصحيفة المصري المصرية بقوله «لا أخجل من اتهامي بالتطبيع، وأعتز بأصدقائي في إسرائيل». ولا نستثني هنا الصحف ودور النشر التي تتبنى كتاباتهم وتنشرها وتتجاهل دورهم التطبيعي الداعم للعدو.

على أي، هؤلاء اختاروا اللهاث وراء “العدو الإسرائيلي” ويفعلون ذلك بصريح العبارة ظنًّا منهم أن التاريخ قد توقف عند لحظة استسلام عابرة، وهم بالتالي يتحملون مسؤولية أفعالهم، ففي جهنم الدنيا والآخرة أمكنة كافية لهم.

هؤلاء لا يهمنا أمرهم ففلسطين ستنتصر في نهاية المطاف وشعبها وأمتنا في غنى عنهم.. ومبارك عليهم أصدقاؤهم القتلة الدائسون على رؤوس أمهاتهم وآبائهم وأخواتهم وإخوانهم وأطفالهم، والبائلون على جثث شهدائهم، والجاعلون كراسي حكمهم من جماجم شعوبهم.

ما نود التركيز عليه هنا تطور نظن أنه خطر لأنه يصدر عن أطراف نعدها في صلب الخط الوطني، مهما اختلفنا معها في كثير من التفاصيل. ويمثل عدد مجلة “أخبار الأدب” المصرية رقم 851 الصادر في 1/11/2009 وما حواه من مقالات عن التطبيع أنموذجًا لهذا وتطورًا نوعيًّا خطيرًا حيث اكتشفت إدارة التحرير “ثوابت التطبيع ومتغيراته”.

وقد شارك في “النقاش” مجموعة من الكتاب وفي مقدمتهم رئيس التحرير الكاتب جمال الغيطاني الذي أيد دعوة [؟] لعقد مؤتمر لمناقشة التطبيع “المؤتمر ضرورة”، وفيه يتحدث، وبكل أسف عن “الفلسطينيين الذين لم يهاجروا [كذا] بعد إعلان الدولة الصهيونية”. (لم يبق أيها الزميل سوى تصنيف الفلسطينيين على أنهم سواح يجوبون الأرض باختيارهم وليسوا ضحايا تطهير عرقي منظم ومبرمج).

وشارك الزميل والصديق الدكتور جابر عصفور في النقاش بمقابلة في العدد ذاته عنوانها: التطبيع ليس خيانة عرف فيها التطبيع بأنه “باختصار شديد، التعامل مع العدو الإسرائيلي تعاملاً يتيح ربحًا ماديًّا أو معنويًّا.. وهي ستبقى عدو لأنها تحتل أرضًا عربية وترفض أي سلام عادل للفلسطينيين، وستظل على موقفها”. حسنًا فعل الدكتور جابر عصفور بقوله “العدو الإسرائيلي (وسنستعيرها منه في هذا المقال)، ولكن لماذا التطبيع إذًا!.

مع مودتنا للدكتور جابر عصفور، لا يمكننا إطلاقًا قبول تعريفه هذا. ولو!! هل يعني ذلك أنه في حال أن لحق بالمتعامل خسارة ومنح العدو ربحًا ماديًّا ومعنويًّا لا يكون الأمر تطبيعًا! معقول هذا الكلام!!.

من الواضح والجلي أن الدكتور جابر اجترح تعريفه “الغريب العجيب” لإعطاء الانطباع بأن قرار “ترجمة الأدب العبري” الذي أصدره “المركز القومي للترجمة التابع لوزارة الثقافة المصرية” الذي يرأسه -والواضح أنه انصياع لسياسة جديدة للسلطات المصرية بدأت إبان حملة وزير الثقافة المصري للفوز بمنصب الأمين العام لمنظمة اليونسكو- ليس عملاً تطبيعيًّا.

من دون الدخول في متاهات تعريفات أخلاقية وقانونية نقترح التعريف الآتي: التطبيع هو أي تصرف أو عمل، ماديًّا كان أو معنويًّا، فرديًّا كان أو جماعيًّا، من شأنه جعل وجود “العدو الإسرائيلي” في بلادنا وفي عقلنا وتفكيرنا أمرًا طبيعيًّا بما يعني ذلك من تخل نهائي عن حقوق أمتنا في بلادنا وأوطاننا وما فيها وعليها.

للزميل الدكتور جابر عصفور أن يدافع كيفما شاء عن قراراته الغريبة حقًّا عليه وعلى ماضيه الناصري العريق، ولكن من غير المقبول ولا الممكن أن يطوع مفهوم “التطبيع مع العدو الإسرائيلي” لينفي هذه الصفة عن ذلك القرار.

المرء ليس في حاجة إلى عباقرة أو فلاسفة أو متفلسفين لكي يعرف التصرفات أو الأعمال التطبيعية، ولا إلى اجتراح تعريفات غرائبية، ولا إلى الالتفاف على اللغة ودس الرؤوس في الرمال. ومن لديه شك في جوهر التطبيع/المقاطعة، فليستشر رفاقا مناضلين في جنوب أفريقيا كانوا يلاحقون كل من تسول له نفسه كسر الحصار على النظام العنصري البغيض الكريه.

وأذكر في هذا المقام أن اللجنة الأولمبية العالمية، أو اللجنة العالمية لألعاب القوى منعت رياضية (أظنها بريطانية) من المشاركة في ألعاب دولية فقط لأنها شوهدت تحضر متفرجةً نشاطًا رياضيًّا شارك فيه رياضيون يمثلون النظام العنصري.. هكذا تكون المقاطعة أيها الزملاء، لمن يريد أن يتعلم.

هناك طبعًا العديد من الأمثلة التي يمكن سوقها هنا على مدى الارتخاء الذي توغل في فهمنا للعدو وبنية مجتمعه وأحزابه وحتى كيانه مما ساهم في اختراق التطبيع حياتنا اليومية، ومن ذلك على سبيل المثال إجراء المقابلات الصحفية بمختلف أنواعها مع قادة العدو وممثليه، وكذلك استبدال اسم إسرائيل بفلسطين في خرائط بلادنا، بل حتى تخصيص أقسام ثابتة لإيراد ترجمات من مقالات الصحف “الإسرائيلية”،  بند “أقوال الصحف العبرية [كذا]”.

إن قراءة صحف العدو مهمة وضرورية للمحللين السياسيين والبحاثة المتخصصين والمستشارين وصانعي القرار، ولكن ليس للعامة لأنها تؤدي بالضرورة إلى عد صحافته جزءًا من أجهزة الإعلام في بلادنا، مع أن الفارق بين أغلب الصحف الناطقة بالعربية والعبرية، لو تعرفون، ضئيل!

وإذا كان سوء النية منطلق بعض هذه التصرفات والسياسات أو أكثرها، فثمة ممارسات أقل ما يجب القول فيها إنها نابعة من سوء فهم مفجع لبنية العدو الفكرية والسياسية، ومن افتقار إلى أدوات التحليل السليمة. نقول إنها ممارسات “تطبيعية” غير مقصودة من الممكن تفاديها لأنها ترد في صحافة وطنية قومية معادية لإسرائيل ومنحازة إلى مختلف قضايا أمتنا.

فعلى سبيل المثال نجد أن الصفحة الثقافية في جريدة الأخبار اللبنانية المعروفة بانحيازها الكامل والصريح وغير المشروط للمقاومة اللبنانية ولقضية العرب الأولى فلسطين، تتخذ مواقف ملتبسة في قضايا لا اجتهاد فيها.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، في عام 2007 اتخذت بداية موقفًا معارضًا لزيارة الأديب الفلسطيني الراحل محمود درويش لحيفا، ثم غيرت من رأيها 180 درجة بعد هجوم أفصح ما يمكن تسميته به أنه “إرهاب ثقافي” مارسه من ينتمي إلى منظوم فكري بائد ثبت قصوره عالميًّا على نحو مفجع، لا ينظر إلا إلى الوراء وينتمي إلى فئة يمكن تسميتها بأنها “غير قابلة للإصلاح وتعلم دروس التاريخ” نشرت ردود فعلها صحيفة الأخبار نفسها ومن ذلك على سبيل المثال عدد 10/7/2007. لكن ما زاد من الفجيعة أن الصفحة ذاتها تجاهلت في الوقت نفسه مقابلة الأديب الراحل الصحفية، التطبيعية بلا أدنى شك، مع جريدة هآرتس الصهيونية حيث خصص قسمًا منها للهجوم على حماس والحسم بأنه لن يزور قطاع غزة (الذي انتخب حركة حماس)، وعادت إلى التصرف نفسه أخيرًا بالعلاقة مع مقاطعة مهرجان الأفلام في تورنتو، واللائحة تطول بكل أسف.

ونضيف إلى ذلك مواقف مماثلة اتخذتها تلك الصفحة الثقافية بالعلاقة مع زيارة الكاتب المغربي عبد اللطيف اللعبي لفلسطين المحتلة حيث أوردت الخبر من منظور أنه أمر طبيعي، مع أنها نشرت أخيرًا مقالة للسيد سماح إدريس رئيس تحرير مجلة الآداب اللبنانية ينتقد زيارة مماثلة قامت بها أخيرًا ممثلة تونسية اسمها هند صبري.

كما نتذكر أن تلك الصحيفة فتحت قبل ذلك صفحتها الثقافية للكاتب الإسرائيلي يتسحاق لاور للرد على الانتقادات التي وجهت إلى كتاب “مدن” الذي شارك فيه مجموعة من الكتاب العرب ومنهم السوري نبيل سليمان والمصري جمال الغيطاني، وأشرفت على إصداره الصحفية اللبنانية جمانة حداد، والذي باختصار شديد، ساوى بين تل أبيب عاصمة “العدو الإسرائيلي” ومدن عربية.

وهكذا منحت الصحيفة الكاتب الإسرائيلي “حق” الرد علينا حتى في صحافتنا الوطنية، وبصرف النظر عن المسوغات التي أوردتها في عددها الصادر يوم 19/11/2008، وليتهم يعتذرون علنًا عن هذا كله.

مثال آخر على مدى تسرب الارتخاء في مواجهة العدو ومقاطعته في الصحافة الوطنية والقومية، وربما بسبب قلة الخبرة، ملف “الأرض الواعدة” في عدد مجلة الآداب اللبنانية الأخير (11/12/2009) حيث فتحت صفحاتها لكاتب محاضر في جامعة تل أبيب هو أمل جمّال الذي عين أخيرًا رئيسًا لجمعية إعلام في فلسطين المحتلة عام 1948 حيث يمكن التعرف إلى فكره من مقابلة أجراها أخيرًا مع صحيفة هآرتس.

وكانت عاصفة من الاحتجاجات قد اندلعت في فلسطين المحتلة لمحاولة منع تعيينه، نشر عنه موقعا بانيت وصحيفة بانوراما في فلسطين المحتلة بتاريخ 5/11/2009 من منطلقات تأييده ما يسمى “الخدمة المدنية” التي تحاول حكومة العدو فرضها على العرب في البلاد، وهل خدم ومتى وفي أي وحدة عسكرية إسرائيلية؟ وهل لا يزال يعمل في معهد دايان وشلوح للدراسات الشرقية؟ وهل لا يزال يعمل في قسم الدراسات الأمنية في جامعة تل أبيب؟ وما علاقته ببرنامج دراسات الأمن في الجامعة والمعهد؟ ولماذا ما زال يشغل هذا المنصب منذ أكثر من ثلاث سنوات مع أن هذا الموقع دوري لمدة عام واحد!

لقد اندلعت مناقشات حادة في بعض الأحيان، لكن غير علنية بين أصدقاء المجلة، بخصوص مشاركة أمل الجمّال في الملف، لكن من منطلق الحرص عليها وعلى خطها القومي. لكن بعض الكتاب حاول تصوير الموقف السلبي على أنه معاداة للطائفة الدرزية الفلسطينية (للعلم، لم نكن نعرف انتماءه الطائفي إلا بعد إطلاقها).

إن اللجوء إلى هذا الأسلوب اللاأخلاقي للدفاع عن موقف غلط غير جديد علينا ومردود على مطلقيه من ممارسي الإرهاب الفكري الثقافي، ولكنه في الوقت نفسه يحمل مخاطر كبيرة لأنه يمكننا بالمقابل السؤال: هل يقصد مطلقو هذه التهمة الغبية أنه ثمة سبب وجيه لاتخاذ القوى الوطنية والقومية العربية موقفًا معاديًّا من معروفيي فلسطين المحتلة!. حذار من التحريض الطائفي والمذهبي!!

لقد أخطأت مجلة الآداب في هذا، وليتها هي أيضًا تعتذر للقراء علنًا عن ذلك.

ومن الأمور المؤسفة بل والمحزنة حقًّا أن معارضي التطبيع من أصدقاء المجلة ورئيس تحريرها تجنبوا نقد الملف الخطير علانية مع أنهم عارضوه في مراسلات خاصة، وهو ما لا يمكن تفسيره إلا على أنه “التضامن العشيري”، ملحقين بتقصيرهم هذا ضررًا فادحًا بمصداقية مواقفهم عندما يتعلق الأمر بممارسات “المعسكر الآخر”.

الآن عودة إلى أصحاب الدعوة إلى عقد مؤتمر لبحث المقاطعة ومقاومة التطبيع والمروجين لها نقول: لقد قاطع المثقفون العرب وغير العرب على نحو حاسم، ومن طليعتهم القسم الأكبر من مثقفي مصر العدو الإسرائيلي (وفق تعريف د جابر عصفور) عشرات السنين من دون بروز حاجة إلى تقديم تعريف للتطبيع والمقاطعة، أو إلى عقد مؤتمرات (لبحث جنس الملائكة!!).

إن هذه الدعوة التي تأتي في هذا الوقت لابد أن تعطي انطباعًا -خاطئًا كما نأمل- بأن البعض يحاول فتح طرق لتخفيف مقاطعة “العدو الإسرائيلي” انصياعًا لسياسة جديدة مفروضة على أجهزة الثقافة ومؤسساتها الرسمية في مصر ودول عربية أخرى تقضي بمباشرة التطبيع الثقافي معه، وهو أمر لا نريد للأصدقاء والزملاء ذوي التاريخ الوطني المشرق أن يشاركوا فيه.

لذا نقول: إن أي دعوة لعقد مؤتمر كهذا يجب أن تنطلق من ثابت واحد لا ثاني له هو: أن فلسطين أرض عربية وجزء لا يتجزأ من الوطن العربي، وحقوق أمتنا فيها غير قابلة للنقاش أو للتصرف ولا يمتلك أي كان حق التصرف في أي شبر منها مهما طال زمن اغتصابها.

فقط عندما نقبل هذا المنطلق، وبصرف النظر عن النية من وراء تلك الدعوة نقول إنه ليس ثمة حاجة إلى عقد أي مؤتمر على أي أرضية غير التي ذكرناها آنفًا، وإن الدعوة إليه من أي منطلق آخر شرعنة للتطبيع مع العدو وخدمة له، والتفاف على جبهة المقاطعة الشعبية أيًّا كانت النوايا، ذلك أن الطريق إلى جهنم، كما نعلم جميعًا، عادة ما تكون مبلطة بالنيات الحسنة، وعندها لا ينفع الندم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!

 

 

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..