بقلم: إبراهيم حرشاوي
إن المؤامرات و المخططات لتقسيم الوطن العربي إلى دويلات مقزمة ليست بالشيء الجديد حيث تعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي و البريطاني خلال العقود الأولى للقرن الماضي. وأهم خطة تقسيم تعرض لها الوطن العربي هي اتفاقية سايكس بيكو و التي كان الهدف منها تقاسم الكعكة العربية بين هاتين القوتين. ولتوطيد ذلك وعدت بريطانيا الحركة الصهيونية بدولة قومية لليهود في فلسطين لتخرج بذلك المشروع الصهيوني إلى حيز الواقع في سنة ١٩٤٨. ولأن البريطانيين و الفرنسيين كانوا يعلمون جيدا بأن دولة ” إسرائيل” ستنسجم في منطقة مجزأة إلى دويلات صغيرة لا حول لها ولا قوة بشكل أفضل من انسجامها في منطقة موحدة قاموا بزرع الطائفية لعرقلة أي مشروع وحدوي في منطقتنا العربية.
واستلمت إسرائيل المشعل التفكيكي من فرنسا و بريطانيا لتكون بمثابة رأس حربة للإمبريالية. ولكي تتضح لنا الصورة ينبغي أن نرجع إلى أقدم وثيقة صهيونية حول هذا الموضوع والمعروفة بوثيقة كارينجا (المنسوبة إلى الصحفي الهندي كارينجا). و تشير هذه الوثيقة إلى نفس المخطط التقسيمي الذي نفذته فرنسا إبان الانتداب الفرنسي في منطقة الشام حيث أسست دولة علوية في اللاذقية ودولة درزية في جبل تدمر و دول سنية تجمع دمشق و حلب ودولة مارونية في جبل لبنان، إلا أن الفرق بين التقسيمات الفرنسية آنذاك و وثيقة كارينجا هو أن هذه الأخيرة تضم مساحة أوسع و تتحدث أيضا عن دولة كردية في شمال العراق ودولة للأقباط في مصر. بالإضافة إلى وثيقة كارينجا هناك تصريحات من قمة هرم النظام الصهيوني تشير إلى نفس المشروع. فمثلا التصريح الذي أدلى به شلومو افينرى، المدير العام لوزارة الخارجية الصهيونية، مع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان و الذي قال فيه:” علينا إفشال مخطط العرب الرامي إلى تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة عربية ـ إسلامية وهذا ما وقفنا ضده بإنشائنا الدولة اليهودية” وتابع قائلا:”لا يمكنني تصور حل لبناني لا يأخذ بعين الاعتبار حق تقرير المصير للمارونيين. وفي نفس السياق قال مناحيم بيغين خلال مقابلة أجريت له في أيلول من ١٩٧٧ :” إننا ندعم ذلك بحسن نية و بناء على اعتقادنا بأنه يجب أن لا تقضي الأكثرية على الأقلية وأرى في إسرائيل درعا للأقليات في الشرق الأوسط بكامله“.
ويتبين لنا أن إسرائيل تسعى من خلال هذه الرؤية المسمومة، المدعومة غربيا، إلى إثارة النعرات الطائفية بهدف إضعاف الوطن العربي و حصره في مربع الاقتتال العربي ـ العربي لكي تعزز وضعها ككيان استيطاني ـ عسكري وتقوم بإعادة تركيب المنطقة العربية ودمجها في منظومة أمنية و اقتصادية، كالاتحاد المتوسطي أو الشرق الأوسط الكبير، بهيمنة غربية ـ صهيونية. و رغم أن المشروع الصهيوني و الغربي يتقهقر نسبيا على المستوى العسكري بسبب المقاومة العراقية و الفلسطينية و اللبنانية إلا أن الجوانب الاجتماعية والثقافية لهذا المشروع باتت تخترق عقول الجماهير العربية عبر الجمعيات الانفصالية و الأنظمة القطرية. ففي المغرب على سبيل المثال تحاول بعض الحركات التي تدعي الدفاع عن الأمازيغية شطب الهوية العربية – الإسلامية بالتركيز على الهوية الأمازيغية و معاداة العروبة والعودة إلى فترة ما قبل الإسلام و التركيز على ” العنصر اليهودي للهوية المغربية” و ذلك ابتغاء تضليل النفوس الأمازيغية وتهيئتها للانفصال عن محيطها العربي من أجل التطبيع مع الكيان الصهيوني.كما تتطابق هذه الظاهرة المريرة و المتصهينة مع الحركات الانفصالية في السودان و مع القضية الكردية في العراق
و علينا أن نستنتج من كل ما ذكر أعلاه بأن كثيرا من قضايا الأقليات في الوطن العربي أصبحت أداة لتقسيم المقسم وتجزئة المجزئ. و رغم أننا كقوميين نؤيد جميع القضايا العادلة من حيث المبدأ إلا أن أي قضية تهم الأقليات ستفقد شرعيتها بمجرد خدمتها لمصالح الكيان الصهيوني و الغرب في إطار بلقنة منطقتنا العربية وتصبح بذلك مشروعا معاديا للأمة. و عليه يتوجب علينا كقوميين أن نواجه هذه الجمعيات و الحركات بشدة قبل أن يتطور الوضع إلى واقع معقد قد لا تحمد عقباه، مع مراعاة عدم سقوطنا في فخ الشوفينية والعصبي
اترك تعليقاً