ترجمة وتقديم د. إبراهيم علوش
العرب اليوم، 15/12/2009
http://www.alarabalyawm.net/pages.php?news_id=199886
يكثر استخدام تعابير مثل “الحرية الثقافية” و”التعددية” وما شابه في عناوين المواد والأطر الموجهة من الخارج للعالم الثالث عامةً والوطن العربي خاصة، وهي في الواقع مجرد قناع للتدخل الأجنبي لإعادة تشكيل مجتمعاتنا سياسياً وثقافياً واختراقها من خلال منظمات التمويل الأجنبي كما سنرى أدناه من مثال واقعي هو مثال “مؤتمر الحرية الثقافية”. وفي الوقت الذي لا يجوز فيه أن يدفعنا استغلال قوى الهيمنة الخارجية لتلك العناوين إلى رفض الحرية الثقافية أو الفكرية أو التعددية من حيث المبدأ، لا بد من التذكير بأن أياً من تنويعات تلك المفاهيم ليس قائماً بحد ذاته، بالمطلق أو في فراغ، خارج السياق السياسي والاجتماعي – وحتى الأمني – الذي يحدد معناه ويلونه بلونه ويوظفه لمصلحته في إدارة الصراع. فالحرية الثقافية أو التعددية الفكرية أو حق التعبير الفني الخ… تكتسب معانٍ مختلفة حسب الجهة التي تطلقها، وأجندة تلك الجهة، وما إذا كانت وطنية حريصة أو مستلبة ومخترقة. وعندما يطلقها احتلال أجنبي أو قوة هيمنة خارجية أو مثقف متغرب فإن ذلك يختلف بالضرورة عن إطلاقها من قبل مثقف ثوري أو حركة تحرر وطني أو ثورة على الاستبداد مثلاً.
بجميع الأحوال، نترجم فيما يلي عن الإنترنت ما يُظهر كيف استخدمت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية واجهة مثل “مؤتمر الحرية الثقافية” للترويج لأنشطة وأطر ثقافية وفكرية وفنية تخدم أهداف الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة في مواجهة الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية. وإذا كانت الكاتبة فرانسيس سوندرز قد وثقت بالتفصيل دور “مؤتمر الحرية الثقافية” في كتابها “من يدفع للزمار؟ الحرب الباردة الثقافية”، فإن المادة أدناه أقل إسهاباً وأسهل منالاً من كتاب سوندرز المهم جداً وهو ما نأمل أن يكون حافزاً للقراء الكرام على السعي لقراءته والاستفادة من محتوياته حول كيفية توظيف الثقافة والفن والأدب، بشكل مبرمج أمنياً، لخدمة المشروع الإستراتيجي للولايات المتحدة خلال الحرب الباردة.
“مؤتمر الحرية الثقافية” نموذج أولي للحرب الناعمة يجدر بكل من يتعاطى التمويل الأجنبي في الوطن العربي أن يدرسه جيداً. فما دامت حكومة الولايات المتحدة قد طورت أساليب برمجة الجمعيات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني ومراكز الأبحاث أمنياً منذ الخمسينات والستينات في مواجهة الاتحاد السوفييتي، هل لنا أن نتخيل الشوط الذي قطعته تلك الأساليب في تطويع وتمييع حركات التحرر الوطني والحركات الوحدوية أو النهضوية في العالم الثالث عامة، وقوى المقاومة والممانعة في الوطن العربي خاصة، منذ الخمسينات والستينات؟!
مؤتمر الحرية الثقافية –
نص المادة المترجمة: – تعريف: “مؤتمر الحرية الثقافية” Congress for Cultural Freedom هو مجموعة دعاية مضادة للشيوعية تأسست عام 1950. وعندما تم الكشف في عام 1967 بأن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA لعبت دوراً أساسياً في تأسيس المجموعة، تم تغيير اسمها إلى “الجمعية الدولية للحرية الثقافية”International Association for Cultural Freedom. وقد كانت تلك المجموعة، في أوجها، تنشط في حوالي خمسٍ وثلاثين دولة، حيث كانت تتلقى أبان ذلك تمويلاً جليلاً من مؤسسة فورد Ford Foundation.
– تأسيس مؤتمر الحرية الثقافية: تأسست منظمة المؤتمر في “قصر تيتانيا” في برلين الغربية في 26/6/1950 لإيجاد طرق لمواجهة الرأي القائل بأن الديموقراطية الليبرالية هي أقل تلاؤماً مع ازدهار الثقافة من الشيوعية. وربما يكون المؤتمر قد نشأ رداً على مؤتمر للسلام في آذار 1949 في فندق والدورف-أستوريا في مدينة نيويورك، حضرته مجموعة من اليساريين وأنصار السلم الأمريكيين، كان قد دعا لإقامة السلام مع الاتحاد السوفييتي الستاليني. وقد ضم مؤتمر “قصر تيتانيا” بعض الوجوه البارزة مثل فرانك بوركيناو، كارل جاسبرز، جون دووي، أغناسيو سيلون، جيمس بيرهام، هيو تريفور-روبر، أرثر شلاسنجر الابن، بيرتراند راسل، إرنست رويتر، رايموند أرون، ألفرد أيار، بنيديتو كروس، جاك ماريتين، أرثر كوستلر، جيمس فاريل، ريتشارد لوينثال، روبرت مونتغمري، مالفن لاسكي، تنسي وليمز، وسيدني هوك. وقد كان هناك محافظون بين المشاركين، ولكن اليساريين المناهضين للستالينية كانوا أكثر عدداً.
– نشاطات المؤتمر: تدبر المؤتمر أمر الحصول على تمويل كافٍ يسمح له بتشغيل مكاتب في خمسٍ وثلاثين دولة حول العالم، وبالإنفاق على طاقم كبير، وبرعاية نشاطات على مستوى دولي، وبإصدار العديد من المنشورات. وفي بداية الستينات، شن المؤتمر حملة ضد الشاعر التشيلي بابلو نيرودا لأنه كان شيوعياً متحمساً ونصيراً لستالين. واشتدت تلك الحملة عندما تبين بأن نيرودا كان مرشحاً لجائزة نوبل عام 1964.
– مشاركة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA: في عام 1967، نشرت مجلة رامبارتس Ramparts ومجلة Saturday Evening Post تقريراً عن تمويل وكالة المخابرات المركزية لعددٍ من المنظمات الثقافية المناهضة للشيوعية الهادفة لكسب تأييد أولئك الليبراليين المتعاطفين مع الاتحاد السوفييتي حول العالم. وقد نالت تقارير المجلتين المصداقية بفضل تصريح لمسؤول سابق عن العمليات السرية في وكالة المخابرات المركزية يقر فيه بقيام الوكالة بتمويل وتشغيل “مؤتمر الحرية الثقافية”. ويصرح الموقع الرسمي لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية اليوم بأن “مؤتمر الحرية الثقافية يعتبر على نطاق واسع واحداً من أكثر عمليات وكالة السي أي إيه جرأةً وفعاليةً خلال الحرب الباردة”.
وفي أيار 1967، قام توماس برادن، رئيس المنظمة المسؤولة عن السي أي إيه في الإدارة الأمريكية، واسمها “قسم المنظمات الدولية” International Organizations Division، بنشر رد على تقرير مجلة رامبارتس دافع فيه عن نشاطات وحدة “قسم المنظمات الدولية” في مقالة في مجلة Saturday Evening Post، وكان عنوان تلك المقالة: “أنا مسرور بأن السي أي إيه ليست على خلق”! وفي تلك المقالة اعترف برادن بأن السي أي إيه دعمت مجلة “إنكاونتر” Encounter مالياً لأكثر من عشر سنوات عبر “مؤتمر الحرية الثقافية” الذي كانت تموله الوكالة أيضاً، وبأن أحد أعضاء هيئة تحريرها كان عميلاً في الوكالة. (ملاحظة: توماس برادن كان بريطاني الأصل انضم للأجهزة الأمنية الأمريكية عام 1944، وكان متخصصاً باختراق الدوائر الأكاديمية والثقافية والنقابية، وأسس العديد من الواجهات المناهضة للشيوعية في أوروبا الغربية، وكانت إستراتيجيته تقوم عامةً على التحييد من خلال السعي للسيطرة على الناشطين والمثقفين الجذريين المحتملين للتخفيف من جذريتهم، وليس بالضرورة لاستقطابهم – المترجم).
وقد كثرت التكهنات حول ذراع أسترالية ل”الجمعية الدولية للحرية الثقافية” منذ عام 1975 عندما قام الحاكم العام لأستراليا جون كير، وهو عضو في الجمعية المذكورة، بصرف حكومة رئيس الوزراء غو ويتلام.
ولم تمويل “مؤتمر الحرية الثقافية” يتم بشكل مباشر، بل عبر واجهات للسي أي إيه. وقد برز في المؤتمر دور البرفسور سيدني هوك، الذي أسس سلف المؤتمر، الذي تكوّن من لدنه، وهو جمعية “أمريكيون من أجل حرية الفكر” Americans for Intellectual Freedom. وقد كان من بين الرؤساء الفخريين للمؤتمر التأسيسي في برلين: جون دووي، برتراند راسل، بنيديتو كروس، كارل جاسبرز، وجاك ماريتين.
– إرث المؤتمر: توجد سجلات “الجمعية الدولية للحرية الثقافية”، وسلفها “مؤتمر الحرية الثقافية” في مركز أبحاث المجموعات الخاصة في مكتبة جامعة شيكاغو.
– بعض المنشورات التي مولها “مؤتمر الحرية الثقافية” أو “الجمعية الدولية للحرية الثقافية”:
· “كوادرنت” Quadrant: وهي نشرة سياسية للجمعية الأسترالية للحرية الثقافية.
· “إنكاونتر” Encounter ( 1953 – 1990): وكانت تنشر في المملكة المتحدة لتوزيعها دولياً.
· “تضامن” Solidarity: شهرية ثقافية فكرية أدبية تصدر في الفلبين.
· “أدلة” Preuves: شهرية ثقافية فكرية أدبية تصدر في فرنسا.
· “أوراق من مؤتمر الحرية الثقافية”: صدرت بالإسبانية بين عامي 53-63 في باريس، وكان يحررها جوليان غوركين، يساعده إغناسيو إيغلاسياس ولويس ميرسير فيرغا، وهي مجلة ثقافية كانت موجهة لأمريكا اللاتينية، وصدر منها مئة عدد.
· “دفاتر برازيلية” Cadernos brasileiros: مجلة أدبية صدرت بالبرتغالية بين عامي 1959 – 1970، وبقيت فصلية حتى عام 1963، ثم صدرت كل شهرين، وكانت تنشر في البرازيل.
· “مراجعة” Examen: مجلة ثقافية نشرت بالمكسيك بين عامي 1958 و1962.
– المراجع
· Peter Coleman, The liberal conspiracy. The congress for cultural freedom and the struggle for the mind of postwar Europe, New York 1989 [sound survey]
· Michael Hochgeschwender, Freiheit in der Offensive? Der Kongreß für kulturelle Freiheit und die Deutschen, München 1998 [comprising academic study on the origins, in German].
· Hannemann, Matthias , Kalter Kulturkrieg in Norwegen?: Zum Wirken des “Kongreß für kulturelle Freiheit” in Skandinavien, in: NordeuropaForum (2/1999), S. 15-41 [on the regional structure of the CCF´s work and the commitment of Haakon Lie and Willy Brandt]
· Saunders, F. S. Who Paid the Piper?: CIA and the Cultural Cold War, 1999, Granta, ISBN 1862070296
· Saunders, F. S. USA: The Cultural Cold War: The CIA and the World of Arts and Letters, 2000, The New Press, ISBN 156584596X) [Same book as the preceding, under a different title.]
· Wellens, Ian (2002). Music on the Frontline: Nicolas Nabokov’s Struggle against Communism and Middlebrow Culture. Aldershot: Ashgate.ISBN 0-7546-0635-X
The Free Arab Voice www.freearabvoice.org
اترك تعليقاً