بقلم: أسعد حمود
المتتبع للشأن السياسي في لبنان والتحولات الجارية على الساحة، يلاحظ بروز تشكيل تحالفات جديدة بلبوس جديد، وإعادة إنتاج مسميات جديدة لكيانات سابقة تحت عناوين تتخذ من الشعارات الوطنية والقومية حجاباً لها، دون تحول حقيقي في المنطلقات النظرية لهذه التجمعات إستجابة للمنطق القائل المصالح ثابتة والسياسات متغيرة.
المشكلة الجوهرية في المتحكمين برقاب العباد أحزاباً وأفراد، هي أنهم جميعاً يعانون في الواقع من خلل بين ما يدعون إليه ويتبنوه من شعارات وأهداف وسياسات، وما يطبقوه على أرض الواقع مما يخلق حالة من الانفصام لديهم.
فمن غير المنطقي أن يحارب الطائفية ويبني وطن أشخاص طائفيون، وصلوا إلى مناصبهم واقتنصوا إمتيازاتهم عبر عملية سياسية وضع أسسها الإستعمار ورسخها على مرتكزات طائفية وإثنية لأهداف انية ومستقبلية، فكان المطلوب إيجاد هذا الكيان ذو الوجه العربي- وفقا لتعبير وصفه بمؤتمر الطائف- بتوزيعه الطائفي ليبرر قيام الكيان الصهيوني، فعندما يصبح لكل مذهب كانتونه أو دولته الخاصة يكون لليهود الصهاينة الحق بإقامة دولتهم على أرض فلسطين المحتلة، فكبرت العائلات السياسية اللبنانية وعظم شأنها في كنف الإستعمار مقدمة الغالي والنفيس في سبيل الإستمرار في السلطة حاصلة على الحماية من قوى الإستكبار التي وفرت لها الغطاء الدستوري لتبقي نظام الحكم قائماً على أساس المحاصصة والتنسيق بين جماعات طائفية، مما ينعكس على الشعب اللبناني جوعاً وتهجيراَ طائفياً وموتاً يحصد أرواح الالاف من فقراء هذا الشعب، وإذا ما أضفنا إلى كل ما سبق آفة الفساد المالي والرشوة وسرقة المال العام التي جعلت لبنان منافساً شرساً لبلدان مثل الصومال وميانمار، على المراتب الأولى في الفساد بحسب المعايير الدولية.
فما الذي تحقق خلال ست وستين عاماً هي عمر الاستقلال والحكومات التي جاءت معه، وانتهجت سياسات مغرقة في التجهيل والسعي لتفتيت الوحدة الوطنية التي لم يعرفها لبنان طيلة تاريخه العريق، بل وسعت ذلك إلى تخريب النسيج والمنظومة القيمية للمجتمع اللبناني، لذا فانك إذا راقبت الحراك السياسي الجاري في لبنان، تستطيع أن تصل من دون عناء إلى نتيجة واحدة، وهي أن المشاركين الفاعلين في ما يدعى العملية السياسية الجارية، قد وصلوا إلى طريق مسدود وعقيم.
فكل الذي جرى هو سياسات انتهجت لتهشيم الشخصية العربية اللبنانية وتدمير البنية التحتية للبنان البلد والإنسان، ونشر طروحات تقسيم البلد إلى فيدراليات، بالإضافة لفسح المجال أمام القوى الدولية و الإقليمية تنفيذ أجندتها في لبنان، فكانت ولا تزال اللعبة تقوم على أن يظهر هذا الأصغر من أن يقسم وأكبر من أن يبلع بأنه واحة الديمقراطية في صحراء الديكتاتوريات، فكان مرتعاً لديكتاتوريات الجماعات السياسية النفعية المرتبطة بالفكر والنوازع الطائفية المعبأة بالثأر، فجعلت منه كياناً ضعيفاً وهشاً وكسيحاً أمام جيرانه، كي يسهل عليهم في مرحلة قادمة من الصراع تفتيته ضمن كانتونات طائفية وعنصرية.
أعتقد أن الصراعات، التنافر ،والتحالفات القائمة بين الكيانات الحالية محاولة تجيير الفترة القادمة لها، يكشف أن هذه القوى فشلت فشلا ذريعاً في تقديم أي شيء نافع ومفيد للشعب اللبناني المنكوب بزعاماته، وأن معظم القوى التي قامت منذ الاستقلال حتى الآن ،قد أوصلت اللبنانيين إلى الترحم في كل يوم ألف مرة على أنظمة الحكم المحيطة بهم والتي تقدم لمواطنيها خدمات لا تقاس مطلقاً بما يقدمه النظام اللبناني لعبيده.
في واقع الحال نحن لا نقف أمام مشكلة إصلاح فقط أو نطرح حل عبر ثورة تطيح بالمفاهيم فقط، انما الدعوة هنا لانقلاب في بنية المجتمع ومطالبة صريحة وواضحة بتغيير جذري في النظام، عبر وضع أسس حقيقية لجمهورية تقوى بالنهوض وبمواجهة الأزمات، فعندما ينخر السوس بالعظام لا يمكن إصلاحه بل يتوجب علينا بتره. ومن هنا لا بد من الإشارة إلى أن أزمة النظام تكمن بعدم إيجاد حركة أو شخص يقوى على محاكمة الفترة السابقة بجميع مراحلها، في الواقع لا نقف أمام مشكلة صلاحيات أو تنازع هيئات على السلطة، إنما هناك ناتج سيئ لعملية سياسية عقيمة ومرتبكة، لم ولن تأتي للبنان بخير مطلقاً في ظل هذه الصراعات والتناحرات على الحكم والسلطة، لذا لا بد من استخلاص العبر من خلال مراجعة نقدية لعملية بناء الوطن دون أزمات نظام من هذا النوع بل من خلال نظام مصداقيته ممنوحه من قبل الشعب المشرع الوحيد للنظام، بسياق مفاهيم المواطنة ومن خلال تبني المشروع القومي العربي ممارسة
اترك تعليقاً