التعدّديّة الثقافيّة” مصطلحٌ اقتحم معجمَنا، شأنه شأن المصطلحات الأُخرى التي تناولها الجزءُ الأوّلُ من “قاموس الاستعمار الجديد” المنشور في العدد السابق من الآداب. ويصوَّر هذا المصطلحُ وكأنه تعبيرٌ عن احترام “حقّ” المجموعات المتنوّعة (التي أَغنتْ ثقافتَنا العربيّةَ على مدى العصور) في ممارسة “حريّاتها الثقافيّة.”
فما حقيقةُ هذا التصوير؟
وما هو تاريخُ هذا المصطلح؟
وأيّةُ علاقةٍ تربطه بالرأسماليّة المعولمة والاستعمارِ الجديد؟
اتّخذ الصراعُ السياسيّ في ثمانينيّات القرن العشرين عنوانًا لافتًا، هو “الاعترافُ بالاختلاف” أو “التعدّديّة الثقافيّة.” وبعد أنْ كان عنوانُ الصراع بين العالم الثالث والاستعمار، عقب الحرب العالميّة الثانية، هو “إدارة الثروات الطبيعيّة وإعادة توزيع الثروة،” تَراجَع هذا الخطابُ ليحلّ محلَّه خطابُ “الاعتراف الثقافيّ.” فالحال أنّ الشكوك التي أُلحِقتْ بـ “الديمقراطيّة الاجتماعيّة” و”الاشتراكيّة” إثر انهيار الاتحاد السوفييتيّ أدّت إلى تحوّلٍ في خطاب المساواة: من المساواة الاقتصاديّة، إلى المساواة الثقافيّة أو الاعتراف بالاختلاف الثقافيّ. وقد تُرجم هذا الخطابُ الجديدُ مطالبةً بـ “التعليم المجتمعيّ” (الطرق المختلفة للتعليم والتعلّم) و”التنمية المحلّيّة” و”الديمقراطيّة التشاركيّة،” ورُوِّجتْ هذه جميعُها وكأنّها التحدّي الأساسُ للرأسماليّة المعولمة. بكلامٍ آخر، حَلّ الحديثُ عن “الهويّات الثقافيّة والإثنيّة” مكانَ الحديث عن المصالح الطبقيّة. ويعود ذلك إلى حصر الظلم بالهيمنة الثقافيّة وحدها، بحيث مُحيَ الاستغلالُ بكافّة أشكاله من القاموس الجديد!
أسئلةٌ كثيرةٌ تَطرح نفسَها في هذا السياق: لِمَ التركيزُ على “التعدديّة الثقافيّة” في هذا المنعطف التاريخيّ، وتحديدًا في عصر العولمة؟ لِمَ يَتّخذ جزءٌ من الخطاب “التقدميّ” و”اليساريّ” هذا الشكلَ اللانقديّ؟ لماذا ينادي معظمُ الحركات التحرريّة اليومَ بـ “الاعتراف بالاختلاف الثقافيّ والخصوصيّة الثقافيّة” مطلبًا رئيسًا؟ لماذا تَراجَع الكلامُ على إعادة توزيع الثروات؟ ما تفسيرُ الانتقال في ذلك الخطاب من إعادة التوزيع إلى ضرورة “الاعتراف الثقافيّ،” في وقتٍ تنتشر فيه الرأسماليّةُ بشراسةٍ في العالم، وتتّسع الهوّةُ الاقتصاديّةُ بين الشمال والجنوب، بل داخلَ كلّ بلد، بين مَن يمْلكون ومَن لا يمْلكون (من فرصٍ في التعليم والطبابة والحصول على الطعام نفسه…)، وفي وقتٍ تتراكم فيه الثرواتُ في يد الأقليّة بشكلٍ لا مثيلَ له في تاريخ البشرية، إذ يَمتلك 10% من سكّان العالم 90% من ثرواته؟ وهل فعلاً سيشكّل خطابُ “التعدديّة الثقافيّة” تحدّيًا للعولمة أو للاقتصاد الرأسماليّ المعولم؟
في ما يلي سأسعى إلى البرهنة على أنّ الحديث عن “التعدديّة الثقافيّة،” شأنَ المصطلحات التي تناولتُها في العدد السابق، ليس تحدّيًا للرأسماليّة المعولمة، بل جزءٌ لا يتجزّأ من إيديولوجيّتها. وسأحاول، في سبيل ذلك، شرحَ السياق التاريخيّ لهذا الخطاب، وتحديدَ نقاط التقائه بالخطاب الرأسماليّ بشكله النيوليبراليّ.
نظرة تاريخيّة إلى نشوء المصطلح
تعود جذورُ خطاب “التعدديّة الثقافيّة” إلى ما بعد الحرب العالميّة الثانية، حين حلّ مفهومُ “الاختلاف الثقافيّ” محلَّ مفهوم “العِرق” تعبيرًا عن الفصل بين الجماعات البشريّة والاختلافات في ما بينها. وقد ساعد هذا التغييرُ في استخدام المصطلح على إضفاء صفة “المساواة” (المزعومة) بين الجماعات البشريّة، وإلغاءِ فكرة الاستعلاء (superiority) التي كان ينطوي عليها مصطلحُ “العِرق”: فلقد رُوِّج آنذاك أنّ التفريقَ بين المجموعات البشريّة على أساس “الانتماءالثقافيّ” يؤدّي إلى الاعتراف الصحّيّ بالاختلاف في ما بينها، أيْ من دون تفضيل بشرٍ على بشر. إلاّ أنّ الحقيقة التي لا مراءَ فيها هي أنّ تغييرَ مصطلح “العِرق” بمصطلحٍ آخر، من دون حلّ العلاقات السلطويّة القائمة بين الدول الرأسماليّة من جهة ودولِ العالم الثالث من جهةٍ أخرى، قد أدّى إلى تعمية تلك العلاقات بالحديث الأجوف عن “المساواة الثقافيّة.” ذلك أنّ الكلام على “الاختلاف الثقافيّ،” وإدراجَه في المناهج التربويّة والنشاطات السياسيّة، لم يأخذا في الاعتبار المجموعاتِ المسيطرةَ التي تحدِّد السياساتِ الاجتماعيّةَ والاقتصاديّةَ في عالمِ ما بعد الحرب العالميّة الثانية. ففي عالمٍ سادت فيه العلاقاتُ الاستعماريّةُ، فإنّ كلَّ ما جرى هو تحوّلُ الكلام من “عِرقٍ بربريّ” إلى… “ثقافةٍ بربريّةٍ” غيرِ قادرةٍ وغيرِ فعّالةٍ على المستويين العالميّ والمحليّ!
من المهمّ أن نذكر هنا أنّ المطالبة بـ “التعدديّة الثقافيّة” جاءت، أوّلَ الأمر، من قِبل الدول المنتصرة التي قادت العالمَ بعد الحرب العالميّة الثانية (ثم طُبِّقتْ في سياسات الأونيسكو والمنظّماتِ العالميّة الأخرى)، لا نتيجةً لحركةٍ مطلبيّةٍ قام بها ناشطون سياسيّون ومناهضون للعِرقيّة. إنّ تلك المطالبة، إذنْ، كانت سياسةً مؤسّساتيّةً أدّت إلى نزع التسييس (depoliticize) عن الاختلافات بين البشر (المرتبطةِ بعوامل السيطرة والاستعمار)، وإلى إلباسها قناعَ “الاختلافات الثقافيّة.” ومن هنا أهميّةُ وضع مفهوم “التعدديّة الثقافيّة” في سياقه التاريخيّ، وتحديدًا في سياق “ثقفنة السياسة” (culturalizing politics) بعد الحرب الثانية، والعلاقة العضويّة لهذا السياق بالعنصريّة وبالرأسماليّة.1
فبالترويج لفكرة أنّ العنصريّة كانت متعلّقةً بالثقافة و”بعدم معرفة” العناصر البشريّة المختلفة بعضها لبعض، يُطْرح “حلٌّ” يقوم على تغيير “ثقافة نبذ الآخر.” ومن البيّن أنّ ذلك قد أدّى إلى الفشل في وضع العنصريّة في سياقها التاريخيّ السياسيّ، واعتُمد بدلاً منه منحًى نفسيّ ـ اجتماعيّ اعتَبر العنصريّةَ (الأوروبيّةَ) مشكلةً مَرَضيّةً، أو مشكلةً سببُها “الجهلُ” لا غير؛ وبالتالي فإنّ الشفاء من هذا “المرض” ــ كما يُزعم ــ لا يكون إلاّ بـ “التعدديّة الثقافيّة،” وذلك من خلال العمل على “التربية” و”بناء الهويّة” و”تقبّل الآخر” و”الاعتراف به.”2
ومع تحوُّلِ الرأسماليّة إلى اقتصاد السوق أو العولمة، شَجّع البنكُ الدوليّ والمؤسّساتُ العالميّةُ “التعدديّةَ الثقافيّةَ،” حتى أصبح من الصعب التفريقُ بين لغة مناهضي العولمة ولغةِ أصحاب الشركات! وقد ابتدع البنكُ الدوليّ ووكالةُ التنمية الأميركيّة (USAID) ومؤسّساتٌ مانحةٌ أخرى مكاتبَ من أجل تسويق “الحقوق الثقافيّة” للأقليّات، والسهرِ على تأكيد التشارك بينها. وتنبّه بعضُ مناهضي العولمة إلى ذلك باكرًا حين ارتفعتْ وتيرةُ الحركات المطالبة بحقوق الأقليّات ودعمِ البنك الدوليّ لها بدايةً في أميركا اللاتينيّة، في الوقت الذي كان فيه هذا البنكُ نفسُه يساعد الشركاتِ العابرةَ للقارّات على نهب ثروات أميركا اللاتينيّة؛ بل إنّ البنكَ المذكورَ أنشأ قسمًا لترويج حقوق الأقليّات والسكّان الأصليين في أميركا اللاتينيّة، في حين انهمكَ في “فتح شرايينها“!3 وذهب أولئك المناهضون إلى أنّ خطاب “التعدديّة الثقافيّة” يؤدّي إلى تهاوي المقاومة القائمة على التضامن بين الطبقات الفقيرة العابرة للهويّات الثقافيّة والإثنيّة، وهو تضامنٌ كان يمْكن أن يَدْفع إلى خلق مشروعٍ أقوى لمناهضة العولمة.
يمْكن القولُ إنّ “التعدديّة الثقافيّة” و”الاختلاف الثقافيّ” لا يشكّلان تحدّيًا للرأسماليّة بشكلها الحاليّ، بل هما إيديولوجيّتان تابعتان لها. وقد تلاقت الدعوةُ إلى “التعدّديّة” مع حاجة الرأسماليّة إلى نمطٍ جديدٍ من الاستهلاك، وذلك بتحويل كلّ سكّان الأرض إلى محض مستهلِكين. فالحال أنّ الثقافة مشكلةٌ حقيقيّةٌ للسوق، لعدم كونها سلعةً يمْكن بيعُها في كلّ الأوقات. وقد مَكّنت “التعدديّةُ الثقافيّة” الرأسماليّةَ من الخروج من هذا المأزق: فهذه التعدديّة تَرفض “الماسترپيس” (التحفة النادرة)؛ وبدلاً من أن تكون الثقافة نادرةً، أصبحتْ سلعةً مثلَ السيّارة يمْكن تجديدُها كلَّ عامٍ أو شهر! وهكذا تصبح قواعدُ السوق هي المسيطرةَ في الحالين، ونشأتْ لغةٌ مشتركةٌ بين الداعين إلى “التعدديّة الثقافيّة” والداعين إلى اقتصاد السوق: فالشركات العابرة للقارّات تتحدّث عن “تنويع الإنتاج واستبدالِ التراتبيّة العموديّة بالشبكة الأفقيّة”؛ وبالمِثْل، يتحدّث المروِّجون للتعدديّة الثقافيّة عن “التنويع الثقافيّ” و”بناءِ مقاومةٍ عبر التشبيك الأفقيّ.”4
ولكنّ الفاضح في تشابه الخطابيْن إنما يكْمن في نظرتهما إلى التنمية أو اللاتنمية، من خلال تركيزهما على “المشاركة” و”المحلّيّة” و”الديمقراطيّة.”
التعدّديّة الثقافيّة والنيوليبراليّة
نظرًا إلى “احترام” التعدّديّة الثقافيّة والمعرفة المحلّيّة والحفاظ عليهما، فقد انتقل تركيزُ قاموس النيوليبراليّة إلى “التنمية التشاركيّة” ــ وهذا مصطلحٌ آخر في قاموسنا الجديد ــ بديلاً من التنمية الدولتيّة الشاملة. فقد اعتُبرت التنميةُ التي تقوم بها الدولةُ الوطنيّةُ خطابَ هيمنةٍ فرضه الغربُ على الآخرين، فأدّى إلى فشل الثقافات المختلفة، وحَوَّل تطلّعاتِ الشعوب في العالم الثالث إلى محض تقليدٍ لتطلّعات الغرب, وهكذا نشأتْ حركاتٌ “تحرّريّة” تطالب ببديلٍ من التنمية، وبالاعتماد على “المشاركة القاعديّة” (grassroot participation) و”المعرفة المحلّيّة.” كما أدّى فشلُ التنمية الدولتيّة في إشراك السكّان الأصليّين في قراراتهم المصيريّة إلى المطالبة بمشاركة المجتمعات المحلّيّة بوصفها صنّاعًا ومهندسين، لا محضَ مستهلكين للمبادرات التنمويّة، وذلك من خلال “تمكينهم” (empowerment)، أيْ مَنْحِهم صوتًا (voice) أو فاعليّةً (agency).5
وهكذا تلاقى النيوليبراليون الجدد مع اليسار “الجديد” في اعتبار الدولة عائقًا للتنمية، لا محرِّكًا لها. وركّز الداعون إلى “التعدّديّة الثقافيّة” هجومَهم على الدولة لأنها حَرمت الأقليّاتِ من حقوقها الثقافيّة وَمنعتِ العالمَ الثالثَ من التعبير عن تطلّعاته الاجتماعيّة. ومن هنا تشديدُهم على إبداع “خطابٍ محلّيّ” يعتمد ثلاثةَ محاور: 1) مجتمع مدنيّ يأخذ دورَ الدولة في التنمية؛ 2) المعرفة المحليّة؛ 3) التشاركيّة المجتمعية (community participation). وقد حصل ذلك في الوقت الذي بَدّل فيه البنكُ الدوليّ والمنظّماتُ العالميّةُ الأخرى خطابَها هي أيضًا، فاعتَبرتْ أنّ الحداثة فشلتْ، ودعت إلى التشاركيّة وإلى إيجاد رؤًى مختلفةٍ للتنمية تعتمد على المجتمع المدنيّ والمعرفة المحلّيّة.6
المعرفة المحلّيّة
من منطلق “احترام” التعدّديّة الثقافيّة، إذنْ، تمّ التركيزُ على “جوهرة” (essentialize) مصطلح “المحلّيّة،” أيْ إضفاء قيمةٍ أساسيّةٍ جوهريّةٍ عليها، وكأنّها تشير إلى مكانٍ محدّدٍ ومجتمعٍ متناسقٍ كلّيّاً. وهكذا راح يُنظر إلى الرأسمال الاجتماعيّ للماضي وكأنه ثابتٌ لا يتغيّر، بحيث يُمْكن إيجادُ حلولٍ لكلّ مشاكل الحاضر في الماضي الذي هُدم بالتنمية والاستعمار.7 إنّ المجتمع المحليّ، في هذه الرؤية، فضاءٌ لـ “أصالةٍ” غيرِ مخترَقة، ولتعدديّةٍ ثقافيّة. لكنّ اعتمادَ النيوليبراليين على موارد الرزق المحلّيّة يُغْفل، في الحقيقة، قوى السوق، ويُغْفل كيف يعتاش الناسُ في عصر العولمة.8 فواقع الأمر أنّ الأمكنة، وكذلك المجتمعات، فضاءاتٌ تُنتَج ويعاد إنتاجُها طوال الوقت. كما أنّ الثقافة كانت، ولا تزال، قبل التنمية وقبل ابتداع الدولة الوطنيّة، محكومةً بعلاقاتٍ سلطويّة، تُنتَج ويعاد إنتاجُها حسب مصالح القائمين عليها.
إنّ قولنا هذا لا يقلّل من أهميّة المقاومة الثقافيّة. لكنّ فصلَها عن إنتاج المعيشة أو كسب المعيشة، والتركيزَ على “الهويّة” و”التعدّد الثقافيّ،” لن يمثِّلا أيَّ مقاومةٍ للرأسماليّة.
المشاركة والديمقراطيّة
تقتصر الديمقراطيّةُ، كما يروِّج لها دعاةُ “التعدديّة الثقافيّة،” على الثقافة، ومن ثمّ على “احترام الاختلاف،” لا على إدارة الثروات الطبيعيّة لشعب من الشعوب.9 لكنّ هذا التعريف راح يُستخدم من أجل “تمكين الهويّات” وإغلاقِها على ذواتها، الأمرُ الذي يدفع الى التفرقة ويَمنع مَحْورةَ الديمقراطيّة حول الدعوة إلى إعادة “هيكلة الاقتصاد” و”إعادة توزيع الثروات.” وكان ضروريّاً أن تترافقَ عمليّةُ النهب، المواكبة لاقتصاد السوق، مع طريقةٍ لتنفيس الغضب وحرْفِه إلى مكانٍ غير المطالبة بالعدالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة؛ فلعبت “التعدديّةُ الثقافيّةُ” هذا الدورَ، وأدّت إلى تأمين الاستقرار السياسيّ الضروريّ للسوق.10
خاتمــة
تعرّضت الدولةُ الوطنيّةُ للانتقاد على أساس أنّ المركزيّة في التعليم، والمناهجَ الموحّدةَ، لا تَحترم الاختلافَ، بل تشجِّع التفكيرَ الأحاديّ. ومن هنا كانت المطالبةُ بالتربية المحلّيّة، واحترام الاختلاف، والاعتمادِ على المعرفة المحلّيّة. لكنّ سؤالاً مهمّاً لا بدّ من أن يَفْرض نفسَه هنا، وهو: هل أدّت المطالبةُ بالتعدّديّة الثقافيّة إلى تنوّع التفكير، أمْ أفضت إلى تفكيرٍ أحاديٍّ مهيمنٍ غيرِ نقديّ يتمركز حول “التعدديّة الثقافيّة” وينحصر فيها؟
وفي الختام ننوِّه إلى أنّ هيمنة خطاب “التعدديّة الثقافيّة” تسهِّل عمليّةَ التطبيع مع “إسرائيل.” فإلغاءُ الكلام على العلاقات الاستعماريّة، والتركيزُ على أننا “بشرٌ” و”مختلفون،” يُنْتجان تماهيًا كاذبًا بين كلِّ “آخر” من جهة، وبين المحتلِّ والمستعمِرِ من جهةٍ ثانية. وهكذا انتشرتْ في طول الوطن العربيّ وعرضه برامجُ التربية على “التسامح” وتقبّل “الآخر” ــ بغضّ النظر عمّا إذا كان هذا الآخرُ مستعمِرًا ومحتلاً ــ في الوقت الذي يتمّ فيه تقسيمُ الوطن العربيّ على أساسٍ طوائفيّ وقبائليّ تحت راية “الديمقراطيّة” لتسهيل نهب ثرواتنا.
إنّ الصفحات السابقة، كما المقالُ السابق في الآداب، ليست إلا دعوةً إلى التأمّل في هذه المصطلحات الجديدة، والتساؤلِ عن سبب ترويجها من خلال مجتمعٍ مدنيّ مموَّلٍ من منظّماتٍ دوليّةٍ ونُخبٍ عربيّةٍ ارتبطتْ مصالحُها بهذه المؤسّسات.
اترك تعليقاً