إبراهيم حرشاوي
بعد مرور 88 سنة على معركة أنوال البطولية في منطقة الريف المغربية تحت قيادة عبد الكريم الخطابي لا بد لنا من مناقشة أفكار هذا المجاهد الذي أصبح رمزا من رموز الوطن العربي ونضاله من أجل الحرية والاستقلال. خلال نفس الفترة التي نظم خلالها الخطابي المقاومة في منطقته صعد نجم العديد من الشخصيات في الوطن العربي التي انتفضت لمواجهة الاستعمار الأوروبي. فكلنا قرأنا عن ثورة العشرين في العراق ومعركة ميسلون تحت قيادة يوسف العظمة وتمرد عمر المختار في ليبيا ضد الاحتلال الإيطالي.
بالعودة إلى ملحمة أنوال، فقد كانت لها تداعيات هامة بالنسبة للوجود الإسباني في المغرب العربي بعدما تمكن المجاهدون بطريقة حرب العصابات من سحق الجنود الإسبان حيث قتل في تلك المعركة وحدها أكثر من عشرة آلاف جندي إسباني! فأجبرت إسبانيا على سحب قواتها من أجزاء كبيرا من الريف وقام الخطابي بتأسيس جمهورية الريف في المناطق المحررة حيث تمكن من خلالها أن يوحد القبائل الريفية. ورغم أن هدف الخطابي كان تحرير كل شبر من الأراضي المغربية، ورغم أنه رفع آنذاك شعار”من أجدير إلى أغادير”(يعني من قرية تقع في شمال المغرب إلى مدينة أغادير الجنوبية) يواصل بعض مزوري التاريخ في الحركة الأمازيغية إنكار هذه الحقائق بشدة لأنها تثبت بأن الخطابي كانت له رؤية تتجاوز القبائلية أو الأثنية.
على كل حال، بدأ الخطابي بخوض معارك خارج حدود الجمهورية، فبدأ بمهاجمة مناطق عمق المغرب التي كانت تحت الحكم الفرنسي وأرعب فرنسا عندما زحف جنوده نحومدينة فاس. فلم يبق لفرنسا أي خيار سوى التحالف مع إسبانيا حيث قامت الدولتان بتشكيل جيش جرار يضم حوالي 750000 جندي، بالإضافة إلى ذلك أستعمل لأول مرة السلاح الكيماوي ضد المدنيين وأدى هذا الأمر إلى استسلام الخطابي ونفيه إلى جزيرة ريونيون.
بعد إقامته في المنفى لمدة 20 سنة، تمكن الخطابي من الهرب إلى مصر في سنة 1947 حيث وفر له النظام المصري اللجوء السياسي.
وقد شكلت تلك المرحلة نقطة تحول في الرؤية السياسية لعبد الكريم الخطابي. ففي يناير1948
أسس الخطابي لجنة تحرير المغرب العربي وكانت هذه اللجنة أول مبادرة تطرح مفهوم المغرب العربي ومن أهم المواد التي يتضمنها بيان(البيان يحمل توقيع الخطابي) اللجنة هي المادة التي تشير إلى وحدة جناحي الوطن العربي وهي كتالي: المغرب العربي جزء لا يتجزأ من بلاد العروبة”. وتثير هذه المادة قلق كبير عند بعض العناصر في الحركة الأمازيغية ويزعمون بأن الخطابي كان تحت ضغوطات المخابرات المصرية والنظام الملكي في مصر. ولكن كلنا نعلم بأن النظام المصري آنذاك كان نظاما رجعيا ليس له أية علاقة بالقومية العربية ولا يحبذها أساسا. أما هدف الخطابي فكان توحيد صفوف التنظيمات الوطنية في المغرب العربي في جبهة موحدة.
وفيما يخص القضية الفلسطينية لا يد من الإشارة إلى نداء وجهه الخطابي إلى المغاربة لكي يشاركوا في الجهاد ضد الكيان الصهيوني بعدما أعلن قرار تقسيم فلسطين في الأمم المتحدة في عام 1947 .
ففي الختام، نستطيع أن نقول أن الخطابي كان قومياً عربياً بامتياز ولا نرى أي دليل في التاريخ يعاكس هذا التصنيف. أما فيما يتعلق بالمسألة الأمازيغية، فنحن نؤكد عدم وجود أي تناقض بين العروبة والهوية الأمازيغية وعلينا أن نفهم القومية العربية كإطار فكري يعتمد على الحضارة العربية ـ الإسلامية التي ينتمي إليها الأمازيغ منذ 1400 سنة وأكثر، وقد ازدهرت هذه الحضارة مع الأمازيغ في الأندلس على سبيل المثال. فالأمازيغ كانوا دائما ومازالوا في الصفوف الأولى للدفاع عن قضايا الأمة من زمن طارق بن زياد إلى عبد الكريم الخطابي.
اترك تعليقاً