ملاحظة: كتبت هذه المادة قبل فترة، وأعيد نشرها هنا كمقدمة للرد على تبني الأخ أبو الوليد رسمياً، في خطابه الأخير، مشروع الدولة الفلسطينية في حدود ال67، “بالإرادة الأمريكية” كما قال، كنهج سياسي لحماس.. وكان يقال قبلها أن الحديث عن الدولة، كما يقال دائماً، مجرد تكتيك… السؤال: كان ذلك تكتيكاً على من؟
كم نصغر قضية فلسطين بمطلب “الدولة المستقلة”!
د. إبراهيم علوش
حتى بوش وشارون أيدا قيام دولة فلسطينية مستقلة كما أعلنا مراراً بشكل رسمي… فكيف يعقل أن يكون الخط الذي يتبناه بوش وشارون هو نفسه محور البرنامج السياسي لأي فصيل فلسطيني يقول أنه وطني أو ملتزم بالقضية الوطنية، أو مطلب أي جهة عربية أو إسلامية أو إنسانية مناهضة فعلاً للإمبريالية والصهيونية؟!
ألا يدعو هذا التشابه الكبير بين البرنامجين إلى التساؤل والتأمل؟ فهو تشابه يضعنا “واقعياً” أمام احتمالين لا ثالث لهما: إما أن الطرف الأمريكي-الصهيوني مناصر للشعب الفلسطيني دون أن ندري، وإما أن الدولة الفلسطينية منذ البداية مشروع أمريكي-صهيوني…
معقول؟ فلنحسبها مرة أخرى: الطرف الأمريكي-الصهيوني يتبنى رسمياً مشروع الدولة الفلسطينية في سياق “الحل النهائي”، وقد التزم بوش بها رسمياً أمام الأمم المتحدة، فعلامَ كانت مشكلتنا معه وأخونا تبنى الموقف المبدئي للكثير من القوى الفلسطينية وغير الفلسطينية؟ ولماذا نصطدم به إذا اعتبرنا هدف النضال الوطني الفلسطيني عبر مائة عام “الدولة”، وحرس الشرف وجواز السفر والوزارات والسفارات والسجون والأجهزة الأمنية وكل ما للدولة من معنى؟!
ربما ظلمنا الأمريكان والصهاينة وهم يريدون بنا خيراً؟ إن بعض الظن إثم…
لحظة! من جديد، كل التنازلات المبدئية والسياسية ما برحنا نقدمها على مذبح “الدولة المستقلة” التي يؤيدها أعداؤنا من حيث المبدأ. فهل المشكلة معهم إذن في التفاصيل، أم في شروط نيل شهادة حسن السلوك الأمنية والديموقراطية والثقافية التي يضعونها لمنح “الدولة المستقلة”؟
ولكن مهلاً! إذا كانت المشكلة في التفاصيل والشروط، فقد سبق والتزمت الجهات التي تدعي التحدث باسم الفلسطينيين رسمياً بتلبيتها في عدد من الاتفاقات وشرعت بتطبيقها، فما الداعي لانتفاضة وسفك الدماء و… “أعمال العنف” على تفاصيل؟ أليس هدفنا جميعاً، نحن وبوش وشارون، “دولتين لشعبين”؟ أما التفاصيل والشروط الأمنية وغيرها، فيمكن أن يتولى أمرها، دون ريب، السياسيون والمفاوضون، كما تولوها من قبل، في أوسلو وغيرها، ببراعة…
أما العمليات “الانتحارية” و”عسكرة الانتفاضة” فيؤخران، بلا ريب، تنفيذ مشروع “الدولة”، فهي إذن تعيق “الاستقلال”، لأن الطرف الأمريكي-الصهيوني موافق على الدولة مبدئياً، ولكنه ينتظر حسن السلوك. والتفاصيل ليست مشكلة ما دام المبدأ قد تمت المصادقة عليه، ولنا تحسين الشروط في المستقبل بإثبات المزيد من حسن السلوك، والمهم الآن أن يتمتع الفلسطينيون بحقهم في أن يعتقلوا بتهمة تهديد أمن العدو الصهيوني على أنغام النشيد الوطني الفلسطيني، وهو ما سيسعدهم كثيراً لأنه سيكون لديهم أخيراً دولة، دولة تعترف بحق العدو بالوجود على معظم فلسطين، مستقلة لا أقله، ولها التزامات أمنية وتطبيعية مع “إسرائيل”، تماماً كالدول العربية القطرية الأخرى ذات السيادة…
ولا توجد غير هذه النتائج إذا بدأ المرء من مقدمة تبني مشروع “الدولة” أو “الاستقلال”. إذ أن جعل هدف النضال الفلسطيني الدولة وزينتها له نتائج منطقية محددة. فالدولة والاستقلال بيد القوى التي تملك القرار الدولي والإقليمي، وبالتالي، فإن نيلهما رهنٌ بإغواء الرأي العام في المعسكر المعادي، وبخطب ود القوى الدولية والإقليمية صانعة القرار، أي أمريكا والكيان، وهذا النوع من التفكير لا يمكن أن ينتج بالمحصلة إلا أبو مازن والدحلان والرجوب. فمشروع الدولة المستقلة هو بحث عن مقعد فلسطيني في الترتيبات الإقليمية الأمريكية-الصهيونية، ولا يمكن أن تحدث الدولة المستقلة خارج ذلك السياق، فمن يضع قدمه فيه، سينزلق بالمحصلة حيث التنازلات المبدئية والتنسيق الأمني وجسر التطبيع الفلسطيني إلى المحيط الإقليمي كما تنص اتفاقية أوسلو.
المشروع النقيض للدولة المستقلة هو مشروع المقاومة. فحيثما يكون الاحتلال، يكون نقيضه المنطقي هو التحرير، وليس “الدولة” والانتخابات.
اترك تعليقاً