تستضيفه وزارة الخارجية النرويجية
مؤتمر لإنقاذ عملية السلام بمشاركة مثقفين فلسطينيين وعرب وصهاينة
صمود وانتصار غزة يعمقان أزمة أوسلو
جعفر الجعفري، كاتب عربي مقيم في الولايات المتحدة
تطوعت وزارة الخارجية النرويجية لاستضافة مؤتمر لبحث مستقبل اتفاقيات اوسلو التي كانت حاضنتها سابقا، تعقده في مقر الوزارة في الفترة من 15 إلى 17 حزيران الجاري، داعية عدد من الاكاديميين العرب والفلسطينيين والاجانب و”اليهود.” ويقول برنامج المؤتمر انه سيبحث في عدد من المحاور للتوقف على “افضل السبل” لاعادة تدفق الدماء للمسار السياسي المتعثر، وتحديدا “خيار حل الدولتين،” وتقييم مسيرة التسوية منذ 1993 وللآن . وقد طلبت الوزارة من المدعويين (العرب والفلسطينيين تحديدا) عدم القيام بتوزيع البرنامج على عاتقهم.
يحدد المؤتمر ثلاثة محاور رئيسية هي السياسة والدين والادب / والاعلام، وتشمل وفق ما ورد في البرنامج المقترح المحطات التالية: محور السياسة والاقتصاد؛ محور” الاسلام السياسي / الارهاب”؛ محور الدين؛ محور “اسرائيل / فلسطين” ؛ محور الادب والانتاج الادبي؛ محور الاعلام؛ ومحور شؤون المرأة؛ الى جانب اجراء مقابلات مع أدباء عرب واخصائيين دوليين لدعم الهدف السياسي من المؤتمر وهو “انقاذ” تعثر مسار اوسلو باستمرار المراهنة على النخب الاكاديمية العربية لاستنباط اساليب تضاليل جديدة للمواطن العربي وإعادة الروح لـ “حل الدولتين،” الذي ما فتأ الرئيس الاميركي اوباما من الاشارة الى انه الحل المنشود.
ويجدر التنبيه الى ان انعقاد هذا المؤتمر، وعلى هذا المستوى الرسمي العالي، لم يأت من فراغ بل انه حلقة في سياق مسار اعادة الاعتبار للمراهنة مجددا على “التفاوض لخمسين عاما،” كما زعم صائب عريقات حديثا (بينما صرح اسحق شامير قبيل التوقيع على اتفاقيات اوسلو بأنه “على استعداد لمفاوضتهم (الفلسطينيين) عشر سنين ولا اعطيهم شيئا”)، وعقد الآمال على ايماءات وتصريحات الادارة الاميركية برئاسة اوباما بأن حل الدولتين يشكل احد اهداف السياسة الاميركية الراهنة. وفي ذات السياق، سبق وان عقد مؤتمران في الولايات المتحدة، نهاية نيسان وبداية أيار للسنة الحالية، مباشرة بعد العدوان على غزة، للهدف عينه – أي المراهنة على “الحل السياسي” مع السماح بالاقرار بفشل “حل الدولتين” والدفع من ثم باتجاه ما يسمى “حل الدولة الواحدة ثنائية القومية،” وكأن التعاطي بالقضايا المصيرية يتم بهذا التبسيط والتلقائية و”حرية” الاختيار للسلع ضمن النمط الاستهلاكي وآلياته المتحكمة في الاقتصاد العالمي.
وللتوقف على حقيقة النقاش والنتائج المنتظر الخروج منها من وجهة نظر اوسلو الأصل، ينبغي التعرض ببعض التفصيل لعناوين البحث والمشاركين والمنظمين وفق البرنامج الموزع.
ففي الجانب السياسي والهام، يتصدر فرود سوغستاد منظم المؤتمر ، وهو استاذ باحث في جامعة هارفارد الاميركية ومختص بشؤون المغرب وصاحب دار نشر “مستقلة” لترجمة الكتب العربية الى نظيرتها النرويجية ؛ والصهيوني مارتين انديك الذي سيحاضر في ندوة لم يعلن عن عنوان لها بعد وان كان ليس عسيرا التنبؤ بما سيلقيه من سموم خبيثة؛ وريدار فيسر ، كبير الباحثين في معهد الشؤون الخارجية النرويجي، يتناول فيه “الارض مقابل السلام: أهمية الارض في حل النزاعات الطائفية؛” ويتناول مايكل ويليس ، الباحث في مركز دراسات الشرق الاوسط في جامعة اوكسفورد، “اراء من الغرب البعيد: الغرب واتفاقيات اوسلو؛” ويحاضر برينيار ليا الباحث المتخصص في معهد ابحاث الدفاع النرويجي حول “النماذج المتغيرة للعنف السياسي في الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي بعد اوسلو؛” بينما يتناول الاكاديمي الفلسطيني جوزيف مسعد ، استاذ السياسة العربية في جامعة كولومبيا الاميركية، مسألة “اوسلو ونهاية الاستقلال الفلسطيني.” اما علي ابو نعمة ، والذي سبق له المشاركة في المؤتمرين المذكورين للتطبيع في نيسان وايار الماضيين، فسيحاضر حول “ماذا بعد فشل حل الدولتين؟” ولاستكمال المحور السياسي ، يحاضر الزوجين الاميركيين سوزان وديفيد ميللر، اساتذة في مادة تاريخ حوض المتوسط وشمال افريقيا بجامعة كاليفورنيا بديفيس ، حول “البرنامج الاميركي للتعاون الاقليمي في الشرق الاوسط – قبل وبعد اوسلو.” وتجدر الاشارة الى ان ديفيد ميللر يترأس برنامجا في وكالة التنمية الدولية الاميركية لدعم “المنظمات غير الحكومية” في الدول العربية في افريقيا.
وفي مغزى ذو دلالة عالية لنزعة الغرب وعدائه المتأصل للقومية العربية وهويتها الحضارية الإسلامية، يخصص المؤتمر حيزا هاما من وقته لمناقشة ما يدعوه الخطر الاسلامي. وتحت عنوان “العوائق الدينية لعملية السلام،” يحاضر ماليز روتفن استاذ الدراسات الاسلامية السابق في جامعة ايروين باسكوتلندا؛ ويتناول بيورن اولاف اوتفيك ، الاستاذ المساعد لدراسات الشرق الاوسط في جامعة اوسلو، مسألة “التيار الاسلامي الرئيسي في الشرق الاوسط؛” بينما تحاضر آن صوفي رولد ، استاذة الدراسات الدينية في جامعة مالمو بالنرويج ، حول “ملاحظات على الحجاب وعدمه،” (وما علاقة ارتداء الحجاب من عدمه في ترويج الحل السلمي!!). وفي المقابل، يحاضر اليهودي الاميركي ، مارك أليس، استاذ الدراسات اليهودية في كلية بايلور، حول “اليهودية لا تساوي اسرائيل؛” بينما زميله المتخصص في الدراسات اليهودية بجامعة لندن، تودور بارفيت، يتناول “الهجرة اليهودية وغير اليهودية لاسرائيل منذ اوسلو.”
وفي مجال المرأة، يتناول المؤتمر المسألة بتسليط الضوء على وضع المرأة في مجتمعاتنا بمعزل عن دورها في عملية التنمية والتطور والتحرير. وجند عدد من الاسماء اللامعة والصاعدة في هذا المجال: اذ يستضيف مدير معهد دراسات المرأة في جامعة بير زيت ، اصلاح جاد، في عنوان مثير “تأثير اوسلو في ضياع تنظيم الحركة النسوية الفلسطينية؛” وتتناول منيرة الغدير ، استاذ مساعد في كلية اللغات الافريقية والآداب في جامعة ويسكونسن الاميركية، استعراض “أديبات راهنات من الجزيرة العربية” (ولا ندري مسوغا لاقحام اديبات من الجزيرة العربية في مراجعة مسار اوسلو سوى لناحية استقطاب كافة النخب العربية لدائرة التطبيع). الى جانب محطات ادبية اخرى يستضيف المؤتمر فيها كلا من الناقد الادبي المصري صبري حافظ؛ والاديب اللبناني واستاذ اللغة العربية في جامعة باريس الثالثة رشيد الضيف (او الضعيف)؛ والاستاذ المساعد للدراسات العربية في جامعة تكساس – اوستن الاميركية طارق العريس. ومن النماذج المثيرة للاستغراب، استضافة المؤتمر لـ جيمس تشانز الذي عمل سابقا ككاتب خطابات للامير الاردني الحسن بن طلال ؛ وكريستوفر ديفيدسون – استاذ العلوم السياسية في جامعة الشيخ زايد بأبو ظبي يتناول مسألة “الامارات منذ 1993 : التنوع والتنمية.” فهل قدمت الامارات العربية تمويلا لعقد المؤتمر ام ان المحاولة تأكيد على التوجه التطبيعي لسياسة امراء النفط !
كما ويحاضر الاكاديمي التقدمي د. اسعد أبو خليل حول “الدور السعودي المتغير في الصراع العربي – الاسرائيلي : ما بعد اوسلو.” ولا يسعنا الا ابداء التحفظ والشعور بالمرارة حول قرار قبول أبو خليل المشاركة ضمن جوقة تتخذ طابعا اكاديميا الا انها تطبيعية بجوهرها ومعادية لنضال وتطلعات الأمة العربية وقضيتها المركزية. وهل ينبغي معاملة مشاركته مجرد هفوة ، لا سيما وهو المتخصص بالتصدي لمشروع آل سعود في لبنان والمنطقة العربية برمتها، أم علينا انتظار تفسيراته على صفحات جريدة “الاخبار” البيروتية.
فالثابت في “حديث اوسلو” علاوة على كونه خطاب سياسي متخم بالمصطلحات الكارثية الا انه يرمي الى إطالة أمد المفاوضات لكي لا يبقى من فلسطين شيء يذكر من أجل تجذير الاستيطان والتهويد والغاء الهوية العربية لارضها وهوائها ومياهها وشعبها، والأهم الغاء مطلب الشعب الفلسطيني في حقه بالعودة الى وطنه وممتلكاته الذي يتناقض جذريا مع ما أتت به اتفاقيات اوسلو ومشتقاتها ، لا سيما اذا استعدنا تصريحات رئيس سلطة اوسلو الفلسطينية وقوله مرارا “ان عودة اللاجئين خطر عليكم” – اي على المستوطنين الصهاينة.
اترك تعليقاً