الانتخابات اللبنانية القادمة: فقط في صيدا تستحق المعركة العناء

الصورة الرمزية لـ ramahu

EGYPT-MIDEAST-PALESTINIAN-ISRAEL-CONFLICT-GAZA-DEMO

دياب أبوجهجه

ما زال الصراع التاريخي بين الزعيم جمال عبد الناصر ومشروعه التحرري والتقدمي والنظام السعودي وما يحمله من مشروع رجعي يدور في مدينة لبنانية ساحلية صغيرة. وكأن عبد الناصر لم يمت وكأن السعودية لم تتغير. فخط المقاومة الناصري لا يزال يصطدم بطرح المساومة السعودي. والخط العلماني الناصري لا يزال يصطدم بالطرح الوهابي السعودي. والخط القومي الناصري لا يزال يتناحر مع الطرح القبلي والعشائري السعودي. وكل هذا في مدينة قديمة قدم أساطير بابل وآشور تكاد ترى في افقها الأرجواني عند الغروب سفن كنعان وهي تمخر عباب المتوسط نحو كل الأقطار.

 

 

 

 

 

 

 

صيدون أصبحت صيدا أما ناصر فبقي ناصرا والمال مالا والتجار تجارا. وصيدا مدينة يتعايش فيها الصيادون مع التجار. والصيادون هم روح المدينة السرمدي ومنهم أتى الاسم ومن أجلهم جاء تنظيم المد الناصري الشعبي حارسا على مصالحهم ومصالح غيرهم من الطبقات المهمشة والفقيرة في المدينة. أما التجار فهم كعادتهم في كل بلد مع كل خط محافظ يضمن لهم استمرار ربحهم وبعضهم يتاجر بكل شيء حتى الموقف.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وبين الصيادين والتجار معظم أبناء المدينة تتجاذبهم أطرافها هذه فتراهم حينا ينحازون للأصالة والبساطة والتاريخ ويتبنون حرية الموج وينشدون ‘يا بحرية هيلا هيلا’ مع كل ما يعنيه ذلك من موقف. وحينا اخر تراهم يتبعون المصلحة المادية الى حيث التجارة والشطارة والوعود الرنانة التي لم تنتج لنا الى الان في لبنان الا 50 مليار دولار من الدين العام.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وصيدا استثناء على قاعدة الطائفية في لبنان حيث تتقاطع الانقسامات السياسية عموما مع اصطفافات طائفية ومذهبية. فبينما يؤيد الشيعة بغالبيتهم العظمى حزب الله وحركة أمل، تؤيد الغالبية السنية تيار المستقبل التابع لآل الحريري ويؤيد معظم الدروز وليد جنبلاط.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أما الساحة المسيحية فترجح فيها كفة ميشال عون بالرغم من أن الانقسام فيها أكثر حدة من نظيراتها الطائفية الأخرى. فالمسيحيون في لبنان هم أقل الطوائف تكتلا والسبب يعود الى كونهم يمرون حاليا في مرحلة اعادة اصطفاف تاريخي. فالغرب لم يعد يعتمد في لبنان على المسيحيين للعب دور رأس الحربة لمشروعه بل نقل تركيزه الى أحضان السعودية وامتدادها اللبناني المتمثل بالمشروع الحريري. هذه النقلة الغربية أغضبت الجزء الأكبر من المسيحيين ودفعته للتحالف مع مشروع المقاومة والممانعة المتمثل في لبنان بحزب الله لأنه يؤمن النسبة الأكبر من الاستقلالية والحماية من الداخل والخارج ويمثل عون هذا التوجه. بينما استمر جزء اخر على الساحة المسيحية بدعمه للغرب ومشروعه حتى ولو تطلب ذلك الالتحاق بالمشروع السعودي الحريري وممثلو هذا التوجه كثر أهمهم سمير جعجع وأمين الجميل الا أن ثقلهم الانتخابي أضعف بدرجات من ثقل ميشال عون.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ان ما يجمع فريق 14 اذار وفريق 8 اذار هو اتفاق الدوحة الذي كرس العودة الى طائفية ضيقة من خلال قانون انتخابي يساهم في تعميق الانقسامات الطائفية. ولا أحد يبدو متضايقا من قانون الانتخابات هذا الا العلمانيين والتقدميين وهم قلة في المجتمع اللبناني المتمترس وراء الطائفية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فهذا القانون المبني على الدوائر الصغيرة يسمح عمليا لكل طائفة بانتخاب ممثليها مما يفرض على المرشح مخاطبة الطائفة بدل مخاطبة الوطن ويثبت الحراك السياسي على أسس طائفية ومذهبية مقلصا فرص أي طرح وطني جامع بالنجاح.
ففي جنوب لبنان ماتت المنافسة بين حزب الله وحركة أمل وهي ثنائية كانت تشعل الجنوب انتخابيا بحيث كانت كل قرية تقريبا منقسمة بين أنصار الحركة والحزب في ظاهرة صحية لتعددية مبنية ليس على الطائفة بل على التفاضل بين نهجين سياسيين مختلفين. وحل محل هذه المنافسة منطق التحالف الصلب من أجل خدمة مصالح الطائفة والحفاظ على وحدتها. وكذلك في الجبل تبخر التنافس بين جنبلاط وأرسلان مع نتائج أحداث السابع من ايار (مايو) وحل مكانه التنسيق من أجل صيانة مصلحة الطائفة الدرزية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وفي طرابلس يتحالف تيار المستقبل مع تيار الوزير الصفدي والرئيس نجيب ميقاتي من أجل وحدة المدينة والطائفة ولا يشذ عن هذه القاعدة هناك الا الرئيس عمر كرامي الذي لم يجد له مكانا في كنف الحريرية لأنه متمسك بتاريخ عائلته الكبير الذي يكاد يضمحل كليا مع فورة الحريرية ومن يحالفها. تماما كما تتقهقر حركة التوحيد الاسلامي الأصولية المعتدلة أمام تقدم السلفية التي اجتاحت الساحة الاسلامية الشمالية وقدمت أوراق اعتمادها لدى الحريري من خلال داعي الاسلام الشهال ومن يناصره وذلك مقابل الاحتضان السياسي والدعم المالي.أما في بيروت فلا منافس سنيا قويا للحريري ويبدو أنه يتجه الى احراز نصر كبير.معركة بين اتجاهينفقط في صيدا تلوح أفاق معركة حقيقية في منطقة سنية صرفة حيث يترشح رئيس الوزراء الحالي فؤاد السنيورة وهو مهندس الدين العام في لبنان والوزيرة بهية الحريري شقيقة الرئيس الحريري ضد الدكتور أسامة سعد رئيس التنظيم الشعبي الناصري. والمعركة في صيدا كانت دوما رمزية لأنها مدينة رفيق الحريري الأم ولأنها المدينة التي اختارت بالرغم من ذلك دوما اعطاء صوتها لخصوم الحريرية من القوميين العرب الناصريين وحلفائهم. فأسامة سعد يحمل ارثا نضاليا طويلا من والده معروف سعد الذي قاتل في فلسطين وعرف عبدالناصر وقاد مظاهرات الصـــيادين الفقراء ضد الاحتكارات الى أن اغتالته أصابع يمينية وصهيونية خلال احدى المظـــاهرات واعتبر استشهاده احدى شرارات الحرب الأهلية اللبنانية.
ومن ثم مصطفى سعد الذي خسر عينيه في محاولة اغتيال صهيونية واستشهدت ابنته ناتاشا وذلك ابان الاحتلال الصهيوني للمدينة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المعركة في صيدا وحدها التي تستحق العناء من القوميين التقدميين لأنها تجسد معركة لا طائفية فالناخب الصيداوي ناخب سني وهو يختار بين طرفين ينتميان للطائفة السنية واذا هو يختار بين مشروعين، مشروع السعودية الحريرية من جهة ومشروع العروبة الناصري المقاوم من جهة أخرى. ولفت نظري أن التجييش في صيدا لانتخاب أسامة سعد يتم على اساس رفض المال السياسي ورفض العصبية الطائفية بينما يعتمد الحريريون على هذين العاملين لتحريك شارعهم. وبدأ القوميون العرب والتقدميون العمل من أجل انجاح حملة أسامة سعد والتفت حول حملته أوساط مستقلة عنه مثل منظمة الشباب القومي العربي وهم مجموعة مهمة من الشبان والشابات والطلبة القوميين المستقلين الذين يجيدون أساليب العصر ويجيرون الانترنت ووسائل الاتصالات الحديثة لصالحهم بشكل يتفوقون به على شبان تيار المستقبل التابع للحريري. وأطلقت منظمة الشباب القومي حملة تحت عنوان ‘طبعا أسامة سعد’ لاقت تجاوبا كبيرا على الانترنت وموقع الفايسبوك. ويبقى أن ننتظر لنرى اذا ما استطاع أسامة سعد اسقاط رئيس الحكومة الحالية في الانتخابات أو اسقاط بهية الحريري وكلاهما أمر ليس بالسهل على الاطلاق. ولكن مهما يكن من أمر فمعركة صيدا هي المعركة الوحيدة في لبنان التي يخوضها طرف لا يعتمد الخطاب الطائفي وعنده فرص كبيرة للنجاح فيها. فبيما يتقاتل الطرفان المسيحيان على أحقية تمثيل المسيحيين والدفاع عن مصالحهم ويتكتل الشيعة والدروز ولا معركة حقيقية في دائرة بيروت الأولى ولا في طرابلس تخاض في صيدا معركة شرسة بين الخط القومي العربي والخط الطائفي الحريري.ماذا ستقول صيدا؟ان مستقبل هذا البلد لا يتوقف بالضرورة على نتيجة الانتخابات، لأن التوازن الطائفي يبدو مستمرا حتما وهنالك معلومات تتحدث عن توافق سعودي سوري مسبق على قيام حكومة وحدة وطنية مهما كانت النتيجة.
أما اذا ما انتصر مشروع الحريرية السياسي في صيدا وقضى انتخابيا على الناصرية فيها فذلك اشارة بأن الخط القومي الناصري فقد عرينه الأخير بعد بيروت.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هزيمة تيار المستقبل في صيدا لو حصلت لهي كفيلة بأن ترسل رسالة الى اللبنانيين مفادها بأن معركة انتخابية على اساس خيارات لا على أساس نعرات ممكنة في لبنان. وبالتالي اذا انتصر الخيار القومي المقاوم على النعرة الطائفية المساومة سيصبح من الممكن اعادة فتح النقاش الوطني في لبنان حول تغيير قانون الانتخاب الحالي لمصلحة قانون يعتمد الدوائر الكبيرة مع النسبية ويعيد انتاج الخارطة السياسية اللبنانية بشكل يسمح للقوى التغييرية والتقدمية بالنمو وبطرح مشروع سياسي قابل للحياة.

 

 


كاتب لبناني

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

رد واحد على “الانتخابات اللبنانية القادمة: فقط في صيدا تستحق المعركة العناء”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..